وأما حكم الميراث  فنقول : لا خلاف بين أصحابنا رضي الله عنهم في أن المال الذي اكتسبه في حالة الإسلام يكون ميراثا لورثته المسلمين إذا مات أو قتل أو لحق وقضي باللحاق وقال  الشافعي    - رحمه الله : هو فيء واحتج بما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال { لا يرث الكافر المسلم ولا المسلم الكافر   } نفى أن يرث المسلم الكافر ، ووارثه مسلم فيجب أن لا يرثه . 
( ولنا ) ما روي أن سيدنا  عليا  رضي الله عنه قتل المستورد العجلي  بالردة ، وقسم ماله بين ورثته المسلمين ، وكان ذلك بمحضر من الصحابة رضي الله عنهم ولم ينقل أنه أنكر منكر عليه ، فيكون إجماعا من الصحابة رضي الله تعالى عنهم ولأن الردة في كونها سببا لزوال الملك ، كالموت على أصل  أبي حنيفة  رضي الله عنه على ما قررناه . 
فإذا ارتد فهذا مسلم مات ، فيرثه المسلم فكان هذا إرث المسلم من المسلم لا من الكافر ، فقد قلنا بموجب الحديث بحمد الله - تعالى وأما على أصلهما فالردة إن كانت لا توجب زوال الملك يمكن احتمال العود إلى الإسلام ، ألا ترى أنه يجبر على الإسلام فيبقى على حكم الإسلام في حق حكم الإرث ؟ وذلك جائز . 
ألا ترى أنه بقي على حكم الإسلام في حق المنع من التصرف في الخمر والخنزير ؟ فجاز أن يبقى عليه في حق حكم الإرث أيضا ؟ فلا يكون إرث المسلم من الكافر فيكون عملا بالحديث أيضا والله - سبحانه وتعالى - أعلم واختلفوا في المال الذي اكتسبه في حال الردة  قال  أبو حنيفة    : رضي الله عنه هو فيء وقال  أبو يوسف   ومحمد    - رحمهما الله - هو ميراث . 
( وجه ) قولهما أن كسب الردة ملكه لوجود سبب الملك من أهل الملك في محل قابل ، ولا شك أن المرتد أهل الملك ; لأن أهلية الملك بالحرية ، والردة لا تنافيها بل تنافي ما ينافيها ، وهو الرق ; إذ المرتد لا يحتمل الاسترقاق ، وإذا ثبت ملكه فيه ، احتمل الانتقال إلى ورثته بالموت ، أو ما هو في معنى الموت على ما بينا . 
( وجه ) قول  أبي حنيفة    - رحمه الله - ما ذكرنا أن الردة سبب لزوال الملك من حين وجودها بطريق الظهور على ما بينا ، ولا وجود للشيء مع وجود سبب زواله فكان الكسب في الردة مالا لا مالك له ، فلا يحتمل الإرث فيوضع في بيت مال المسلمين كاللقطة ، ثم اختلفوا فيما يورث من مال المرتد  أنه يعتبر حال الوارث ، وهي أهلية الوراثة وقت الردة ، أم وقت الموت ، أم من وقت الردة إلى وقت الموت ، فعند  أبي يوسف   ومحمد    - رحمهما الله - تعتبر أهلية الوراثة وقت الموت ; لأن ملك المرتد إنما يزول عندهما بالموت فتعتبر الأهلية في ذلك الوقت لا غير وعن  أبي حنيفة  رضي الله عنه روايتان في رواية ، يعتبر وقت الردة لا غير ، حتى لو كان أهلا وقت الردة ورث ، وإن زالت أهليته بعد ذلك وفي رواية يعتبر دوام الأهلية من وقت الردة إلى وقت الموت . 
( وجه ) هذه الرواية أن الإرث يثبت بطريق الاستناد لا بطريق الظهور ; لأن الموت أمر لا بد منه للإرث . 
والقول بالإرث بطريق الظهور إيجاب الإرث قبل الموت ، ولا سبيل إليه فإذا وجد الموت يثبت الإرث ثم يستند إلى وقت وجود الردة وزوال الأهلية ، فيما بين الوقتين يمنع من الاستناد ، فيشترط دوام الأهلية من وقت الردة إلى وقت الموت ، حتى لو كان بعض الورثة مسلما وقت الردة ، ثم ارتد عن الإسلام قبل موت المرتد ، لا يورث وكذا إذا مات قبل موته ، أو المرأة انقضت عدتها قبل موته . 
( وجه ) الرواية الأولى أن الإرث يتبع زوال الملك ، والملك زال بالردة من وقت وجودها ، فيثبت الإرث في ذلك الوقت بطريق الظهور قوله هذا إيجاب الإرث قبل الموت قلنا : هذا ممنوع بل هذا إيجاب الإرث بعد الموت ; لأن الردة في معنى الموت ; لأنها تعمل عمل الموت في زوال الملك على ما بينا ، فكانت الردة موتا معنى ، وكذا اختلف  أبو يوسف  ،  ومحمد    - رحمهما الله - فيما إذا لحق بدار الحرب وقضى القاضي باللحاق ، إنه تعتبر أهلية الوراثة وقت القضاء باللحاق أم وقت اللحاق ؟ فعند  أبي يوسف    - رحمه الله - وقت القضاء ، وعند  محمد  رحمه الله تعتبر وقت اللحاق . 
( وجه ) قول  محمد  أن وقت الإرث وقت زوال الملك ، وملك المرتد إنما يزول باللحاق ; لأن به يعجز عن الانتفاع بماله المتروك في دار الإسلام ، إلا أن العجز قبل القضاء غير متقرر لاحتمال العود ، فإذا قضي تقرر العجز وصار العود بعده كالممتنع عادة ، فكان العامل في زوال الملك هو اللحاق فتعتبر الأهلية وقتئذ . 
( وجه ) قول  [ ص: 139 ]  أبي يوسف  أن الملك لا يزول إلا بالقضاء ، فكان المؤثر في الزوال هو القضاء ، وعلى هذا الاختلاف المرتدة إذا لحقت بدار الحرب ; لأن المعنى لا يوجب الفصل ، ولو . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					