الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                وأما الذي يتعلق بحال نقصان المغصوب فالكلام فيه في موضعين : أحدهما : في بيان ما يكون مضمونا من النقصان ، وما لا يكون مضمونا منه والثاني : في بيان طريق معرفة النقصان أما الأول فنقول وبالله التوفيق : إذا عرض في يد الغاصب ما يوجب نقصان قيمة المغصوب ، والعارض لا يخلو إما أن يكون بغير السعر ، وإما أن يكون فوات جزء من المغصوب ، أو فوات صفة مرغوب فيها ، أو معنى مرغوب فيه ، فإن كان بغير السعر لم يكن مضمونا ; لأن المضمون نقصان المغصوب ، ونقصان السعر ليس بنقصان المغصوب ، بل لفتور يحدثه الله تعالى عز شأنه في قلوب العباد لا صنع للعبد فيه ، فلا يكون مضمونا .

                                                                                                                                وإن كان فوات جزء من المغصوب ، أو فوات صفة مرغوب فيها ، أو معنى مرغوب فيه فالمغصوب لا يخلو إما أن يكون من غير أموال الربا ، وإما أن يكون من أموال الربا ، فإن كان من غير أموال الربا يكون مضمونا إذا لم يكن للمغصوب منه فيه صنع ولا اختيار ; لأنه هلك بعض المغصوب صورة ومعنى ، أو معنى لا صورة وهلاك كل المغصوب مضمون بكل القيمة ، فهلاك بعضه يكون مضمونا بقدره لما ذكرنا أن ضمان الغصب ضمان جبر الفائت فيتقدر بقدر الفوات ، وعلى هذا يخرج ما إذا سقط عضو من المغصوب في يد الغاصب بآفة سماوية ، أو لحقه زمانة ، أو عرج ، أو شلل ، أو عمى ، أو عور ، أو صمم ، أو بكم ، أو حمى ، أو مرض آخر أنه يأخذه المولى ويضمنه النقصان لوجود فوات جزء من البدن ، أو فوات صفة مرغوب فيها ، ولو زال البياض من عينه في يد المولى ، أو أقلع الحمى رد على الغاصب ما أخذه منه بسبب النقصان ; لأنه تبين أن ذلك النقصان لم يكن موجبا للضمان لانعدام شرط الوجوب وهو العجز عن الانتفاع على طريق الدوام .

                                                                                                                                وكذلك لو أبق المغصوب من يد الغاصب من عبد ، أو أمة إذا لم يكن أبق قبل ذلك ، أو زنت الجارية المغصوبة ، أو سرقت إذا لم تكن زنت قبل ذلك ; لفوات معنى مرغوب فيه وهو الصيانة عن هذه القاذورات ; ولهذا كانت عيوبا موجبة للرد في باب البيع ، وجعل الآبق على المالك ، وهل يرجع به على الغاصب ؟ قال أبو يوسف رحمه الله : لا يرجع ، وقال محمد رحمه الله : يرجع .

                                                                                                                                ( وجه ) قوله أن الجعل من ضرورات رد المغصوب ; لأن رد المغصوب واجب على الغاصب ولا يمكنه الرد إلا بإعطاء الجعل ، فكان من ضرورات الرد فيكون عليه مؤنة الرد .

                                                                                                                                ( وجه ) قول أبي يوسف رحمه الله أن الجعل إنما يجب بحق المالك ، والملك للمغصوب منه ، فيكون الجعل عليه كمداواة الجراحة .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية