ثم الكلام في في موضعين : أحدهما : في تفسير العاقلة من هم ، والثاني : في بيان القدر الذي تتحمله العاقلة من الدية . العاقلة
( أما ) الأول : فالقاتل لا يخلو إما أن كان حر الأصل ، وإما إن كان معتقا ، وإما أن كان مولى الموالاة ، فإن كان حر الأصل فعاقلته أهل ديوانه إن كان [ ص: 256 ] من أهل الديوان ، وهم المقاتلة من الرجال الأحرار البالغين العاقلين تؤخذ من عطاياهم ، وهذا عندنا .
وعند رحمه الله عاقلته قبيلته من النسب ، والصحيح قولنا لإجماع الصحابة رضي الله عنهم على ذلك فإنه روي عن الشافعي إبراهيم النخعي رحمه الله أنه قال : كانت الديات على القبائل فلما وضع سيدنا رضي الله عنه الدواوين جعلها على أهل الدواوين ، فإن قيل : { عمر } فكيف يقبل قول سيدنا قضى عليه الصلاة والسلام بالدية على العاقلة من النسب إذ لم يكن هناك ديوان رضي الله عنه على مخالفته فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فالجواب لو كان سيدنا عمر رضي الله عنه فعل ذلك وحده لكان يجب حمل فعله على وجه لا يخالف فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف وكان فعله بمحضر من الصحابة رضي الله عنهم ، ولا يظن من عموم الصحابة رضي الله عنهم مخالفة فعله ؟ عليه الصلاة والسلام فدل أنهم فهموا أنه كان معلولا بالنصرة ، وإذا صارت النصرة في زمانهم الديوان نقلوا العقل إلى الديوان فلا تتحقق المخالفة ، وهذا لأن التحمل من العاقلة للتناصر ، وقبل وضع الديوان كان التناصر بالقبيلة ، وبعد الوضع صار التناصر بالديوان ، فصار عاقلة الرجل أهل ديوانه . عمر
ولا تؤخذ من النساء ، والصبيان ، والمجانين ، والرقيق ; لأنهم ليسوا من أهل النصرة ، ولأن هذا الضمان صلة ، وتبرع بالإعانة ، والصبيان ، والمجانين ، والمماليك ليسوا من أهل التبرع ، وإن لم يكن له ديوان فعاقلته قبيلته من النسب ; لأن استنصاره بهم .
وإن كان القاتل معتقا أو مولى الموالاة فعاقلته مولاه ، وقبيلة مولاه لقوله عليه الصلاة والسلام { } ثم عاقلة المولى الأعلى قبيلته إذا لم يكن من أهل الديوان ، فكذا عاقلة مولاه ، ولأن استنصاره بمولاه وقبيلته فكانوا عاقلته ، هذا إذا كان للقاتل عاقلة ، فأما إذا مولى القوم منهم فعاقلته بيت المال في ظاهر الرواية ، وروى لم يكن له عاقلة كاللقيط ، والحربي أو الذمي الذي أسلم محمد عن رضي الله عنه أنه تجب الدية عليه من ماله لا على بيت المال . أبي حنيفة
وجه هذه الرواية أن الأصل هو الوجوب في مال القاتل ; لأن الجناية وجدت منه ، وإنما الأخذ من العاقلة بطريق التحمل ، فإذا لم يكن له عاقلة يرد الأمر فيه إلى حكم الأصل وجه ظاهر الرواية أن الوجوب على العاقلة لمكان التناصر ، فإذا لم يكن له عاقلة كان استنصاره بعامة المسلمين ، وبيت المال مالهم ، فكان ذلك عاقلته ( وأما ) فلا يؤخذ من كل واحد منهم إلا ثلاثة دراهم أو أربعة دراهم ، ولا يزاد على ذلك ; لأن الأخذ منهم على وجه الصلة والتبرع تخفيفا على القاتل ، فلا يجوز التغليظ عليهم بالزيادة ، ويجوز أن ينقص عن هذا القدر إذا كان في العاقلة كثرة ، فإن قلت العاقلة حتى أصاب الرجل أكثر من ذلك يضم إليهم أقرب القبائل إليهم من النسب سواء كانوا من أهل الديوان أو لا ، ولا يعسر عليهم ، ويدخل القاتل مع العاقلة ويكون فيما يؤدي كأحدهم ; لأن العاقلة تتحمل جناية وجدت منه ، وضمانا وجب عليه ، فكان هو أولى بالتحمل . بيان مقدار ما تتحمله العاقلة من الدية