( فصل ) :
( وأما ) بيان فنقول : سبب وجوبهما هو التقصير في النصرة وحفظ الموضع الذي وجد فيه القتيل ممن وجب عليه النصرة والحفظ ; لأنه إذا وجب عليه الحفظ فلم يحفظ مع القدرة على الحفظ صار مقصرا بترك الحفظ الواجب فيؤاخذ بالتقصير زجرا عن ذلك وحملا على تحصيل الواجب ، وكل من كان أخص بالنصرة والحفظ كان أولى بتحمل القسامة والدية ; لأنه أولى بالحفظ فكان التقصير منه أبلغ ، ولأنه إذا اختص بالموضع ملكا أو يدا بالتصرف كانت منفعته له ، فكانت النصرة عليه ; إذ الخراج بالضمان على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال - تبارك وتعالى - { سبب وجوب القسامة والدية لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت } ولأن القتيل إذا وجد في موضع اختص به واحد أو جماعة إما بالملك أو باليد ، وهو التصرف فيه فيتهمون أنهم قتلوه ، فالشرع ألزمهم القسامة دفعا للتهمة [ ص: 291 ] والدية لوجود القتيل بين أظهرهم وإلى هذا المعنى أشار سيدنا رضي الله تعالى عنه حينما قيل : أنبذل أموالنا وأيماننا ؟ فقال : أما أيمانكم فلحقن دمائكم ، وأما أموالكم فلوجود القتيل بين أظهركم عمر
وإذا عرف هذا فنقول فالقسامة والدية على أهل المحلة للأحاديث وإجماع الصحابة رضي الله عنهم على ما ذكرنا ، ولأن حفظ المحلة عليهم ، ونفع ولاية التصرف في المحلة عائد إليهم ، وهم المتهمون في قتله ; فكانت القسامة والدية عليهم . القتيل إذا وجد في المحلة -
وكذا إذا وجد في مسجد المحلة أو في طريق المحلة ; لما قلنا فيحلف منهم خمسون ، فإن لم يكمل العدد خمسين رجلا تكرر الأيمان عليهم حتى تكمل خمسين يمينا ; لما روي عن سيدنا رضي الله تعالى عنه أنه حلف رجال القسامة فكانوا تسعة وأربعين رجلا ، فأخذ منهم واحدا ، وكرر عليه اليمين حتى كملت خمسين يمينا . عمر
وكان ذلك بمحضر الصحابة رضي الله عنهم ولم ينقل أنه خالفه أحد ; فيكون إجماعا ، ولأن هذه الأيمان حق ولي القتيل ، فله أن يستوفيها ممن يمكن استيفاؤها منه ، فإن أمكن الاستيفاء من عدد الرجال الخمسين استوفى ، وإن لم يمكن - يستوفي عدد الأيمان التي هي حقه ، وإن كان العدد كاملا فأراد الولي أن يكرر اليمين على بعضهم ليس له ذلك كذا ذكر - رحمه الله - لأن موضوع هذه الأيمان على عدد الخمسين في الأصل لا على واحد ، وإنما التكرار على واحد لضرورة نقصان العدد ، ولا ضرورة عند الكمال ، وإن كان في المحلة قبائل شتى ، فإن كان فيها أهل الخطة والمشترون - فالقسامة والدية على أهل الخطة ما بقي منهم واحد في قول محمد أبي حنيفة - عليهما الرحمة - وقال ومحمد - رحمه الله - : عليهم وعلى المشترين جميعا . أبو يوسف
( وجه ) قوله : أن الوجوب على أهل الخطة باعتبار الملك ، والملك ثابت للمشترين ; ولهذا إذا لم يكن من أهل الخطة أحد كانت القسامة على المشترين .
( وجه ) قولهما : أن أهل الخطة أصول في الملك ; لأن ابتداء الملك ثبت لهم ، وإنما انتقل عنهم إلى المشترين ، فكانوا أخص بنصرة المحلة وحفظها من المشترين ، فكانوا أولى بإيجاب القسامة والدية عليهم وكان المشتري بينهم كالأجنبي فما بقي واحد منهم لا ينتقل إلى المشتري ، وقيل : إن بنى الجواب على ما شاهد أبا حنيفة بالكوفة وكان تدبير أمر المحلة فيها إلى أهل الخطة ، رأى التدبير إلى الأشرف ومن أهل المحلة كانوا من أهل الخطة أو لا ، فبنى الجواب على ذلك فعلى هذا لم يكن بينهما خلاف في الحقيقة ; لأن كل واحد منهما عول على معنى الحفظ والنصرة ، فإن فقد أهل الخطة . وأبو يوسف
وكان في المحلة ملاك وسكان - فالدية على الملاك لا على السكان عند أبي حنيفة وعند ومحمد : عليهم جميعا له ما روي أن رسول الله عليه الصلاة والسلام { أبي يوسف خيبر وكانوا سكانا } ولأن للساكن اختصاصا بالدار يدا كما أن للمالك اختصاصا بها ملكا ، ويد الخصوص تكفي لوجوب القسامة . أوجب القسامة على أهل
( وجه ) قولهما : أن المالك أخص بحفظ الموضع ونصرته من السكان ; لأن اختصاصه اختصاص ملك ، وأنه أقوى من اختصاص اليد .
ألا يرى أن السكان يسكنون زمانا ثم ينتقلون .
وأما إيجاب القسامة على يهود خيبر فممنوع أنهم كانوا سكانا ، بل كانوا ملاكا فإنه روي أنه عليه الصلاة والسلام أقرهم على أملاكهم ووضع الجزية على رءوسهم ، وما كان يؤخذ منهم كان يؤخذ على وجه الجزية لا على سبيل الأجرة .