الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                والأصل في الوصايا أن يقدم الأقوى فالأقوى وصار هذا كما إذا أوصى بعبده لإنسان ، وبخدمته لآخر إن الرقبة تكون للموصى له الأول ، والخدمة للموصى له الثاني ؟ لما قلنا كذا هذا ، وبهذا تبين أن هذا ليس نظير اللفظ العام ، إذا ورد عليه التخصيص ; لأن اللفظ العام يتناول كل فرد من أفراد العموم بحروفه ، فيصير كل فرد من أفراده منصوصا عليه ، وههنا كل جزء من أجزاء الخاتم لا يصير منصوصا عليه بذكر الخاتم .

                                                                                                                                ألا يرى أن كل جزء من أجزاء الخاتم لا يسمى خاتما كما لا يسمى كل جزء من أجزاء الإنسان إنسانا ، فلم يكن هذا نظير اللفظ العام ، فلا يستقيم قياسه عليه مع ما أن المذهب الصحيح في العام أنه يحتمل التخصيص بدليل متصل ، ومنفصل ، والبيان المتأخر لا يكون نسخا لا محالة بل قد يكون نسخا ، وقد يكون تخصيصا على ما عرف في أصول الفقه على أن الوصية بالخاتم ، وإن تناولت الحلقة ، والفص لكنه لما أوصى بالفص لآخر فقد رجع عن وصيته بالفص للأول ، والوصية عقد غير لازم ما دام الموصي حيا فتحتمل الرجوع .

                                                                                                                                ألا يرى أنه يحتمل الرجوع عن كل ما أوصى به ففي البعض أولى ، فيجعل رجوعا في الوصية بالفص للموصى له بالخاتم .

                                                                                                                                وعلى هذا إذا أوصى بهذه الأمة لفلان ، وبما في بطنها لآخر أو أوصى بهذه الدار لفلان ، وببنائها لآخر أو أوصى بهذه القوصرة لفلان ، وبالثمر الذي فيها لآخر إنه إن كان موصولا كان لكل واحد منهما ما أوصى له به بالإجماع ، وإن كان مفصولا ، فعلى الاختلاف الذي ذكرنا ، ولو أوصى بهذا العبد لفلان ، وبخدمته لفلان آخر ، أو أوصى بهذه الدار لفلان ، وبسكناها لآخر ، وبهذه الشجرة لفلان ، وثمرتها لآخر أو بهذه الشاة لفلان ، وبصوفها لآخر - فلكل واحد منهما ما سمى له بلا خلاف سواء كان موصولا أو مفصولا ; لأن اسم العبد لا يتناول الخدمة .

                                                                                                                                واسم الدار لا يتناول السكنى ، واسم الشجرة لا يتناول الثمرة لا بطريق العموم ، ولا بطريق التضمن ; لأن هذه الأشياء ليست من أجزاء العين إلا أن الحكم متى ثبت في العين ثبت فيها بطريق التبعية لكن إذا لم يفرد التبع بالوصية ، فإذا أفردت صارت مقصودة بالوصية ، فلم تبق تابعة ، فيكون لكل واحد منهما ما أوصى له به أو تجعل الوصية الثابتة رجوعا عن الوصية بالخدمة ، والسكنى ، والثمرة ، والوصية تقبل الرجوع ، وهذه المسائل حجة أبي يوسف في المسألة الأولى .

                                                                                                                                ولو ابتدأ بالتبع في هذه المسائل ثم بالأصل بأن أوصى بخدمة العبد لفلان ثم بالعبد لآخر أو أوصى بسكنى هذه الدار لإنسان ثم بالدار لآخر ، أو بالثمرة لإنسان ثم بالشجرة لآخر ، فإذا ذكر موصولا - فلكل واحد منهما ما أوصى له به ، وإن ذكر مفصولا - فالأصل للموصى له بالأصل ، والتبع بينهما نصفان ; لأن الوصية الثابتة [ ص: 384 ] تناولت الأصل ، والتبع جميعا ، فقد اجتمع في التبع وصيتان ، فيشتركان فيه ، ويسلم الأصل لصاحب الأصل ، وهذا حجة محمد - رحمه الله تعالى - في المسألة المتقدمة .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية