في هذه السنة توفي ، الذي كان صاحب المعتمد بن عباد الأندلس ، مسجونا بأغمات ، من بلد المغرب ، وقد ذكرنا كيف أخذت بلاده منه سنة أربع وثمانين وأربعمائة ، فبقي مسجونا إلى الآن ، وتوفي ، وكان من محاسن الدنيا كرما ، وعلما ، وشجاعة ، ورئاسة تامة ، وأخباره مشهورة ، وآثاره مدونة .
وله أشعار حسنة ، فمنها ما قاله لما أخذ ملكه وحبس :
سلت علي يد الخطوب سيوفها فجذذن من جسدي الحصيف الأمتنا [ ص: 394 ] ضربت بها أيدي الخطوب وإنما
ضربت رقاب الآملين بها المنى يا آملي العادات من نفحاتنا
كفوا فإن الدهر كف أكفنا
وله من قصيدة يصف القيد في رجله :
تعطف في ساقي تعطف أرقم يساورها عضا بأنياب ضيغم
وإني من كان الرجال بسيبه ومن سيفه في جنة وجهنم
وقال في يوم عيد :
فيما مضى كنت بالأعياد مسرورا فساءك العيد في أغمات مأسورا
قد كان دهرك إن تأمره ممتثلا فردك الدهر منهيا ومأمورا
من بات بعدك في ملك يسر به فإنما بات بالأحلام مسرورا
وكان شاعره يأتيه وهو مسجون ، فيمدحه لا لجدوى ينالها منه ، بل رعاية لحقه وإحسانه القديم إليه ، فلما توفي أتاه ، فوقف على قبره ، يوم عيد ، والناس عند قبور أهليهم ، وأنشد بصوت عال : أبو بكر بن اللبانة
ملك الملوك أسامع فأنادي أم قد عداك عن الجواب عوادي
لما خلت منك القصور ولم تكن فيها كما قد كنت في الأعياد
فمثلت في هذا الثرى لك خاضعا وتخذت قبرك موضع الإنشاد
[ ص: 395 ] وأخذ في إتمام القصيدة ، فاجتمع الناس كلهم عليه يبكون . ولو أخذنا في تفصيل مناقبه ومحاسنه لطال الأمر ، فلنقف عند هذا .