وبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشيرا إلى أهل العالية ، عبد الله بن رواحة بشيرا إلى أهل السافلة من وزيد بن حارثة المدينة ، فوصل زيد وقد سووا التراب على - صلى الله عليه وسلم - وكانت زوجة رقية بنت رسول الله ، خلفه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليها وقسم له . عثمان بن عفان
فلما عاد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقيه الناس يهنئونه بما فتح الله عليه ، فقال : إن لقينا إلا عجائز صلعا كالبدن المعقلة ، فنحرناها . فتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال : يا ابن أخي ، أولئك الملأ من سلمة بن سلامة بن وقش الأنصاري قريش .
وكان في الأسرى النضر بن الحارث ، وعقبة بن أبي معيط ، فأمر بقتل علي بن أبي طالب النضر ، فقتله بالصفراء ، وأمر عاصم بن ثابت بقتل عقبة بن أبي معيط ، فلما أرادوا قتله جزع من القتل وقال : ما لي أسوة بهؤلاء ؟ يعني الأسرى ، ثم قال : يا محمد من للصبية ؟ قال : النار ، فقتله بعرق الظبية صبرا .
وكان في الأسرى ، أسره سهيل بن عمرو مالك بن الدخشم الأنصاري ، فلما أتي به [ ص: 25 ] النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : دعني أنزع ثنيتيه يا رسول الله ، فلا يقوم عليك خطيبا أبدا ، وكان عمر بن الخطاب سهيل أعلم الشفة السفلى ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : دعه يا عمر ؛ فسيقوم مقاما تحمده عليه ، فكان مقامه ذلك عند موت النبي - صلى الله عليه وسلم - وسنذكره عند خبر الردة - إن شاء الله - .
ولما قدم به المدينة قالت له - صلى الله عليه وسلم : أعطيتم بأيديكم كما تفعل النساء ، ألا متم كراما ! فسمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قولها فقال لها : سودة بنت زمعة ، زوج النبي . يا سودة ، أعلى الله وعلى رسوله تحرضين ! فقالت : يا رسول الله ، ما ملكت نفسي حين رأيته أن قلت ما قلت
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : . وكان أحدهم يؤثر أسيره بطعامه . استوصوا بالأسرى خيرا
فكان أول من قدم مكة بمصاب قريش الحيسمان بن عبد الله الخزاعي ، فقالوا : ما وراءك ؟ قال : قتل عتبة وشيبة وأبو الحكم ونبيه ومنبه ابنا الحجاج - وعدد أشراف قريش - فقال : والله إن يعقل فاسألوه عني . فقالوا : ما فعل صفوان بن أمية صفوان ؟ قال : هو ذاك جالس في الحجر ، وقد رأيت أباه وأخاه حين قتلا .
ومات أبو لهب بمكة بعد وصول خبر مقتل قريش بتسعة أيام ، وناحت قريش على قتلاهم ، ثم قالوا : لا تفعلوا فيشمت محمد وأصحابه ، ولا تبعثوا في فداء أسراكم ، لا يشتط عليكم محمد . وكان الأسود بن عبد يغوث قد أصيب له ثلاثة من ولده : زمعة ، وعقيل ، والحارث ، وكان يحب أن يبكي على بنيه ، فبينما هو كذلك إذ سمع نائحة ، فقال لغلامه ، وقد ذهب بصره : انظر هل أحل البكاء لعلي أبكي على زمعة ، فإن جوفي قد احترق . فرجع إليه وقال له : إنما هي امرأة تبكي على بعير لها أضلته ، فقال :
أتبكي أن يضل لها بعير ويمنعها من النوم السهود [ ص: 26 ] ولا تبكي على بكر ولكن
على بدر تقاصرت الجدود على بدر سراة بني هصيص
ومخزوم ورهط أبي الوليد وبكي إن بكيت على عقيل
وبكي حارثا أسد الأسود وبكيهم ولا تسمي جميعا
فما لأبي حكيمة من نديد ألا قد ساد بعدهم أناس
ولولا يوم بدر لم يسودوا