وكان في الأسارى عمرو بن أبي سفيان ، أسره علي ، فقيل لأبيه : أفد عمرا . فقال : لا أجمع علي دمي ومالي ، يقتل ابني حنظلة ، وأفدي عمرا ! فتركه ولم يفكه . ثم إن سعد بن النعمان الأنصاري خرج إلى مكة معتمرا ، فأخذه أبو سفيان ، وكانت قريش لا تعرض لحاج ولا معتمر . فحبسه أبو سفيان ليفدي به عمرا ابنه ، وقال :
[ ص: 27 ]
أرهط ابن أكال أجيبوا دعاءه تعاقدتم لا تسلموا السيد الكهلا فإن بني عمرو لئام أذلة
لئن لم يفكوا عن أسيرهم الكبلا
أبو العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس زوج - وكان من أكثر رجال زينب بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم مكة مالا وأمانة وتجارة ، وكانت أمه هالة بنت خويلد أخت فسألته أن يزوجه خديجة زوجة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زينب ، ففعل قبل أن يوحى إليه ، فلما أوحي إليه آمنت به زينب ، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مغلوبا بمكة لم يقدر أن يفرق بينهما ، فلما خرجت قريش إلى بدر خرج معهم فأسر ، فلما بعثت قريش في فداء الأسارى بعثت زينب في فداء أبي العاص زوجها بقلادة لها كانت أدخلتها معها ، فلما رآها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رق لها رقة شديدة وقال : إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها الذي لها ، فافعلوا . فأطلقوا لها أسيرها ، وردوا القلادة خديجة . وكان في الأسارى
وأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليه أن يرسل زينب إليه بالمدينة ، وسار إلى مكة ، وأرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مولاه ورجلا من زيد بن حارثة الأنصار ؛ ليصحبا زينب من مكة ، فلما قدم أبو العاص أمرها باللحاق بالنبي - صلى الله عليه وسلم - فتجهزت سرا ، وأركبها كنانة بن الربيع - أخو أبي العاص - بعيرا ، وأخذ قوسه وخرج بها نهارا . فسمعت بها قريش ، فخرجوا في طلبها فلحقوها بذي طوى ، وكانت حاملا فطرحت حملها لما رجعت لخوفها ، ونثر كنانة أسهمه ثم قال : والله لا يدنو مني أحد إلا وضعت فيه سهما ! فأتاه وقال : خرجت بها علانية ، فيظن الناس أن ذلك عن ذل وضعف منا ، ولعمري ما لنا في حبسها حاجة ، فارجع بالمرأة ليتحدث الناس أنا رددناها . ثم أخرجها ليلا وسلمها إلى أبو سفيان بن حرب وصاحبه ، فقدما بها على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأقامت عنده . زيد بن حارثة
أبو العاص تاجرا إلى الشام بأمواله وأموال رجال من قريش ، فلما عاد لقيته سرية لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخذوا ما معه وهرب منهم ، فلما كان الليل أتى المدينة فدخل على زينب ، فلما كان الصبح خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الصلاة ، [ ص: 28 ] فكبر وكبر الناس ، فنادت زينب من صفة النساء : أيها الناس إني قد أجرت أبا العاص . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم : والذي نفسي بيده ما علمت بشيء من ذلك ، وإنه ليجير على المسلمين أدناهم . وقال لزينب : لا يخلص إليك ، فلا يحل لك . وقال للسرية الذين أصابوه : إن رأيتم أن تردوا عليه الذي له فإنا نحب ذلك ، وإن أبيتم فهو فيء الله الذي أفاءه عليكم ، وأنتم أحق به . قالوا : يا رسول الله ، بل نرده عليه . فردوا عليه ماله كله حتى الشظاظ ، ثم عاد إلى مكة فرد على الناس ما لهم وقال لهم : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله ، والله ما منعني من الإسلام عنده إلا تخوف أن تظنوا أني إنما أردت أكل أموالكم . ثم خرج فقدم على النبي - صلى الله عليه وسلم - فرد عليه أهله بالنكاح الأول ، وقيل : بنكاح جديد . فلما كان قبيل الفتح خرج
وجلس عمير بن وهب الجمحي مع بعد صفوان بن أمية بدر ، وكان شيطانا ممن كان يؤذي النبي وأصحابه ، وكان ابن وهب في الأسارى ، فقال صفوان : لا خير في العيش بعد من أصيب ببدر . فقال عمير : صدقت ، ولولا دين علي ، وعيال أخشى ضيعتهم لركبت إلى محمد حتى أقتله . فقال صفوان : دينك علي ، وعيالك مع عيالي أسوتهم . فسار إلى المدينة فقدمها ، فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بإدخاله عليه ، فأخذ عمر بن الخطاب عمر بحمالة سيفه وقال لرجال معه من الأنصار : ادخلوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واحذروا هذا الخبيث . فلما رآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لعمر : اتركه ، ثم قال : ادن يا عمير ، ما جاء بك ؟ قال : جئت لهذا الأسير . قال : اصدقني . قال : ما جئت إلا لذلك . قال : بل قعدت أنت وصفوان ، وجرى بينكما كذا وكذا . فقال عمير : أشهد أنك رسول الله ، هذا الأمر لم يحضره إلا أنا وصفوان ، فالحمد لله الذي هداني للإسلام . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : فقهوا أخاكم في دينه ، وعلموه القرآن ، وأطلقوا له أسيره . ففعلوا . فقال : يا رسول الله ، كنت شديد الأذى للمسلمين ، فأحب أن تأذن لي ، فأقدم مكة فأدعو إلى الله وأوذي الكفار في دينهم كما كنت أوذي أصحابك . فأذن له ، فكان صفوان يقول : أبشروا الآن بوقعة تأتيكم تنسيكم وقعة بدر .
فلما قدم عمير أقام بها يدعو إلى الله ، فأسلم معه ناس كثير ، وكان يؤذي من خالفه .
[ ص: 29 ] وقدم مكرز بن حفص بن الأخيف في فداء ، وكان سهيل بن عمرو أبا بكر وعمر وعليا في الأسارى ، فأشار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يشاور أبو بكر بالفداء ، وأشار عمر بالقتل ، فمال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى القتل ، فأنزل الله تعالى : ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض إلى قوله : لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم ، وكان الأسرى سبعين ، فقتل من المسلمين عقوبة بالمفاداة يوم أحد سبعون ، وكسرت رباعية رسول الله ، وهمشت البيضة على رأسه ، وسال الدم على وجهه وانهزم أصحابه ، فأنزل الله تعالى : أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها .
وكان جميع ببدر أربعة عشر رجلا ، ستة من من قتل من المسلمين المهاجرين ، وثمانية من الأنصار .
ورد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جماعة استصغرهم ، منهم : عبد الله بن عمر ، ، ورافع بن خديج ، والبراء بن عازب ، وزيد بن ثابت . وأسيد بن حضير
، منهم : وضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لثمانية نفر بسهم في الأنفال لم يحضروا الوقعة ، كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خلفه على زوجته عثمان بن عفان رقية بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمرضها ، ، وطلحة بن عبيد الله ، كان أرسلهما يتجسسان خبر العير ، وسعيد بن زيد وأبو لبابة ، خلفه على المدينة ، وعاصم بن عدي ، خلفه على العالية ، والحارث بن حاطب ، رده إلى بني عمرو بن عوف لشيء بلغه عنهم ، والحارث بن الصمة ، كسر بالروحاء ، ، كسر في وخوات بن جبير بدر أسفل سيفه ذي الفقار ، وكان لمنبه بن الحجاج ، وقيل كان للعاص بن منبه ، قتله علي صبرا وأخذ سيفه ذا الفقار ، فكان للنبي - صلى الله عليه وسلم - فوهبه لعلي .
( رحضة بفتح الراء المهملة ، والحاء المهملة ، والضاد المعجمة . والحبار بضم الحاء المهملة ، والباء الموحدة . بضم الهمزة ، والضاد المعجمة . وأسيد بن حضير وخديج بفتح الخاء المعجمة ، وكسر الدال المهملة ) .