ذكر التتر همذان وقتل أهلها ملك
لما تفرق العسكر الإسلامي عاد التتر إلى همذان فنزلوا بالقرب منها ، وكان لهم بها شحنة يحكم فيها ، فأرسلوا إليه ليطلب من أهلها مالا وثيابا ، وكانوا قد استنفذوا أموالهم في طول المدة ، وكان رئيس همذان شريفا علويا ، وهو من بيت رئاسة قديمة لهذه المدينة ، هو الذي يسعى في أمور أهل البلد مع التتر ، ويوصل إليهم ما يجمعه من الأموال ، فلما طلبوا الآن منهم المال لم يجد أهل همذان ما يحملونه إليهم ، فحضروا عند الرئيس ومعه إنسان فقيه قد قام في اجتماع الكلمة على الكفار قياما مرضيا ، فقالوا لهما : هؤلاء الكفار قد أفنوا أموالنا ، ولم يبق لنا ما نعطيهم ، وقد هلكنا من أخذهم أموالنا ، وما يفعله النائب عنهم بنا من الهوان .
وكانوا قد جعلوا بهمذان شحنة لهم يحكم في أهلها بما يختاره ، فقال الشريف : إذا كنا نعجز عنهم فكيف الحيلة ؟ فليس لنا إلا مصانعتهم بالأموال ، فقالوا له : أنت أشد علينا من الكفار وأغلظوا له في القول ، فقال : أنا واحد منكم ، فاصنعوا ما شئتم . فأشار الفقيه بإخراج شحنة التتر من البلد والامتناع فيه ، ومقاتلة التتر ; فوثب العامة على الشحنة فقتلوه وامتنعوا في البلد ، فتقدم التتر إليهم وحصروهم ، وكانت الأقوات متعذرة في تلك البلاد جميعها ، لخرابها ، وقتل أهلها ، وجلاء من سلم منهم ، فلا يقدر أحد على الطعام إلا قليلا ، وأما التتر فلا يبالون بعدم الأقوات لأنهم لا يأكلون إلا اللحم ، ولا تأكل دوابهم إلا نبات الأرض ، حتى إنها تحفر بحوافرها الأرض عن عروق النبات فتأكلها .
فلما حصروا همذان قاتلهم أهلها والرئيس والفقيه في أوائلهم ، فقتل من التتر خلق كثير ، وجرح الفقيه عدة جراحات ، وافترقوا ، ثم خرجوا من الغد فاقتتلوا أشد من القتال الأول ، وقتل أيضا من التتر أكثر من اليوم الأول ، وجرح الفقيه أيضا عدة جراحات وهو صابر ، وأرادوا أيضا الخروج ، اليوم الثالث ، فلم يطق الفقيه الركوب ، وطلب الناس الرئيس العلوي فلم يجدوه ، كان قد هرب في سرب صنعه إلى [ ص: 351 ] ظاهر البلد هو وأهله إلى قلعة هناك على جبل عال فامتنع فيها .
فلما فقده الناس بقوا حيارى لا يدرون ما يصنعون ، إلا أنهم اجتمعت كلمتهم على القتال إلى أن يموتوا ، فأقاموا في البلد ولم يخرجوا منه .
وكان التتر قد عزموا على الرحيل عنهم لكثرة من قتل منهم ، فلما لم يروا أحدا خرج إليهم من البلد طمعوا واستدلوا على ضعف أهله ، فقصدوهم وقاتلوهم في رجب من سنة ثماني عشرة وستمائة ، ودخلوا المدينة بالسيف ، وقاتلهم الناس في الدروب ، فبطل السلاح للزحمة ، واقتتلوا بالسكاكين ، فقتل من الفريقين ما لا يحصيه إلا الله تعالى ، وقوي التتر على المسلمين فأفنوهم قتلا ، ولم يسلم إلا من كان عمل له نفقا يختفي فيه ، وبقي القتل في المسلمين عدة أيام ، ثم ألقوا النار في البلد فأحرقوه ورحلوا عنه إلى مدينة أردويل .
وقيل كان السبب في ملكها أن أهل البلد لما شكوا إلى الرئيس الشريف ما يفعل بهم الكفار ، أشار عليهم بمكاتبة الخليفة لينفذ إليهم عسكرا مع أمير يجمع كلمتهم ، فاتفقوا على ذلك ، فكتب إلى الخليفة ينهي إليه ما هم عليه من الخوف والذل ، وما يركبهم به العدو من الصغار والخزي ، ويطلب نجدة ولو ألف فارس مع أمير يقاتلون معه ويجتمعون عليه ، فلما سار القصاد بالكتب أرسل بعض من علم بالحال إلى التتر يعلمهم ذلك ، فأرسلوا إلى الطريق ، فأخذوهم وأخذوا الكتب منهم ، وأرسلوا إلى الرئيس ينكرون عليه الحال ، فجحد ، فأرسلوا إليه كتبه وكتب الجماعة ، فسقط في أيديهم ، وتقدم إليهم التتر حينئذ وقاتلوهم ، وجرى في القتال كما ذكرنا .