فصل
ثم
nindex.php?page=treesubj&link=25310_3527أفاض - صلى الله عليه وسلم - إلى مكة قبل الظهر راكبا ، فطاف طواف الإفاضة وهو طواف الزيارة وهو طواف الصدر ، ولم يطف غيره ، ولم يسع معه هذا هو الصواب ، وقد خالف في ذلك ثلاث طوائف : طائفة زعمت أنه طاف طوافين طوافا للقدوم سوى طواف الإفاضة ، ثم طاف للإفاضة ، وطائفة زعمت أنه سعى مع هذا الطواف لكونه كان قارنا ، وطائفة زعمت أنه لم يطف في ذلك اليوم ، وإنما أخر طواف الزيارة إلى الليل ، فنذكر الصواب في ذلك ، ونبين منشأ الغلط وبالله التوفيق .
قال
الأثرم : قلت
لأبي عبد الله :
nindex.php?page=treesubj&link=3742فإذا رجع أعني المتمتع كم يطوف ويسعى ؟ قال يطوف ويسعى لحجه ويطوف طوافا آخر للزيارة ، عاودناه في هذا غير مرة فثبت عليه.
قال الشيخ
nindex.php?page=showalam&ids=14823أبو محمد المقدسي في " المغني " : وكذلك الحكم في
nindex.php?page=treesubj&link=3758_3761القارن والمفرد إذا لم يكونا أتيا مكة قبل يوم النحر ولا طافا للقدوم ، فإنهما يبدآن بطواف القدوم قبل طواف الزيارة نص عليه
أحمد - رحمه الله - واحتج بما روت
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة - رضي الله عنها - ، قالت : " فطاف الذين أهلوا بالعمرة بالبيت ، وبين
الصفا والمروة ، ثم حلوا ، ثم طافوا طوافا آخر بعد أن رجعوا من
منى ؛ لحجهم " ، وأما الذين جمعوا الحج والعمرة ، فإنما طافوا طوافا واحدا ، فحمل
أحمد - رحمه الله - قول
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة ، على أن طوافهم لحجهم هو طواف القدوم ، قال : ولأنه قد ثبت أن طواف القدوم مشروع فلم يكن طواف الزيارة مسقطا له كتحية المسجد عند دخوله قبل التلبس بالصلاة المفروضة .
وقال
الخرقي في " مختصره " : وإن كان متمتعا ، فيطوف بالبيت سبعا
وبالصفا والمروة سبعا كما فعل للعمرة ، ثم يعود فيطوف بالبيت طوافا ينوي به
[ ص: 251 ] الزيارة وهو قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=29وليطوفوا بالبيت العتيق ) [ الحج : 29 ] فمن قال : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان متمتعا كالقاضي وأصحابه عندهم هكذا فعل ، والشيخ
أبو محمد عنده أنه كان متمتعا التمتع الخاص ، ولكن لم يفعل هذا ، قال : ولا أعلم أحدا وافق
أبا عبد الله على هذا الطواف الذي ذكره
الخرقي ، بل المشروع طواف واحد للزيارة كمن دخل المسجد ، وقد أقيمت الصلاة فإنه يكتفي بها عن تحية المسجد ، ولأنه لم ينقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا أصحابه الذين تمتعوا معه في حجة الوداع ، ولا أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - به أحدا ، قال : وحديث
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة دليل على هذا ، فإنها قالت : " طافوا طوافا واحدا بعد أن رجعوا من
منى ؛ لحجهم " وهذا هو طواف الزيارة ولم تذكر طوافا آخر . ولو كان هذا الذي ذكرته طواف القدوم ، لكانت قد أخلت بذكر طواف الزيارة الذي هو ركن الحج الذي لا يتم إلا به ، وذكرت ما يستغنى عنه ، وعلى كل حال فما ذكرت إلا طوافا واحدا ، فمن أين يستدل به على طوافين ؟
وأيضا ، فإنها لما حاضت فقرنت الحج إلى العمرة بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولم تكن طافت للقدوم ، لم تطف للقدوم ، ولا أمرها به النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولأن طواف القدوم لو لم يسقط بالطواف الواجب لشرع في حق المعتمر طواف القدوم مع طواف العمرة ؛ لأنه أول قدومه إلى البيت ، فهو به أولى من المتمتع الذي يعود إلى البيت بعد رؤيته وطوافه به . انتهى كلامه .
قلت : لم يرفع كلام
أبي محمد الإشكال وإن كان الذي أنكره هو الحق ، كما أنكره والصواب في إنكاره ، فإن أحدا لم يقل : إن الصحابة لما رجعوا من
عرفة ، طافوا للقدوم وسعوا ، ثم طافوا للإفاضة بعده ، ولا النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا لم يقع قطعا ، ولكن كان منشأ الإشكال أن أم المؤمنين فرقت بين المتمتع والقارن ، فأخبرت أن القارنين طافوا بعد أن رجعوا من
منى طوافا واحدا ، وأن الذين أهلوا بالعمرة طافوا طوافا آخر بعد أن رجعوا من
منى ؛ لحجهم وهذا غير طواف الزيارة قطعا ، فإنه يشترك فيه القارن والمتمتع فلا فرق بينهما فيه ولكن الشيخ
أبا [ ص: 252 ] محمد ، لما رأى قولها في المتمتعين : إنهم طافوا طوافا آخر بعد أن رجعوا من
منى ، قال : ليس في هذا ما يدل على أنهم طافوا طوافين والذي قاله حق ، ولكن لم يرفع الإشكال فقالت طائفة هذه الزيادة من كلام
عروة ، أو ابنه
هشام ، أدرجت في الحديث ، وهذا لا يتبين ، ولو كان فغايته أنه مرسل ولم يرتفع الإشكال عنه بالإرسال .
فالصواب : أن الطواف الذي أخبرت به
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة ، وفرقت به بين المتمتع والقارن هو الطواف بين
الصفا والمروة ، لا الطواف بالبيت ، وزال الإشكال جملة ، فأخبرت عن القارنين أنهم اكتفوا بطواف واحد بينهما ، لم يضيفوا إليه طوافا آخر يوم النحر ، وهذا هو الحق ، وأخبرت عن المتمتعين أنهم طافوا بينهما طوافا آخر بعد الرجوع من منى للحج ، وذلك الأول كان للعمرة وهذا قول الجمهور ، وتنزيل الحديث على هذا موافق لحديثها الآخر وهو قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16001298يسعك طوافك بالبيت وبين الصفا والمروة لحجك وعمرتك " ، وكانت قارنة يوافق قول الجمهور .
ولكن يشكل عليه حديث
جابر الذي رواه
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم في " صحيحه " :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16001299لم يطف النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا أصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافا واحدا ، طوافه الأول . هذا يوافق قول من يقول يكفي المتمتع سعي واحد ، كما هو إحدى الروايتين عن
أحمد - رحمه الله - نص عليها في رواية ابنه
عبد الله وغيره وعلى هذا ، فيقال
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة أثبتت
وجابر نفى ، والمثبت مقدم على النافي .
أو يقال مراد
جابر من قرن مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وساق الهدي
كأبي بكر وعمر وطلحة وعلي - رضي الله عنهم - وذوي اليسار فإنهم إنما سعوا سعيا واحدا .
وليس المراد به عموم الصحابة ، أو يعلل حديث
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة ، بأن تلك الزيادة فيه مدرجة من قول
هشام وهذه ثلاث طرق للناس في حديثها والله أعلم .
فَصْلٌ
ثُمَّ
nindex.php?page=treesubj&link=25310_3527أَفَاضَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى مَكَّةَ قَبْلَ الظُّهْرِ رَاكِبًا ، فَطَافَ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ وَهُوَ طَوَافُ الزِّيَارَةِ وَهُوَ طَوَافُ الصَّدَرِ ، وَلَمْ يَطُفْ غَيْرَهُ ، وَلَمْ يَسْعَ مَعَهُ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ ، وَقَدْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ ثَلَاثُ طَوَائِفَ : طَائِفَةٌ زَعَمَتْ أَنَّهُ طَافَ طَوَافَيْنِ طَوَافًا لِلْقُدُومِ سِوَى طَوَافِ الْإِفَاضَةِ ، ثُمَّ طَافَ لِلْإِفَاضَةِ ، وَطَائِفَةٌ زَعَمَتْ أَنَّهُ سَعَى مَعَ هَذَا الطَّوَافِ لِكَوْنِهِ كَانَ قَارِنًا ، وَطَائِفَةٌ زَعَمَتْ أَنَّهُ لَمْ يَطُفْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ ، وَإِنَّمَا أَخَّرَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ إِلَى اللَّيْلِ ، فَنَذْكُرُ الصَّوَابَ فِي ذَلِكَ ، وَنُبَيِّنُ مَنْشَأَ الْغَلَطِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ .
قَالَ
الأثرم : قُلْتُ
لأبي عبد الله :
nindex.php?page=treesubj&link=3742فَإِذَا رَجَعَ أَعْنِي الْمُتَمَتِّعَ كَمْ يَطُوفُ وَيَسْعَى ؟ قَالَ يَطُوفُ وَيَسْعَى لِحَجِّهِ وَيَطُوفُ طَوَافًا آخَرَ لِلزِّيَارَةِ ، عَاوَدْنَاهُ فِي هَذَا غَيْرَ مَرَّةٍ فَثَبَتَ عَلَيْهِ.
قَالَ الشَّيْخُ
nindex.php?page=showalam&ids=14823أَبُو مُحَمَّدٍ الْمَقْدِسِيُّ فِي " الْمُغْنِي " : وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=3758_3761الْقَارِنِ وَالْمُفْرِدِ إِذَا لَمْ يَكُونَا أَتَيَا مَكَّةَ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ وَلَا طَافَا لِلْقُدُومِ ، فَإِنَّهُمَا يَبْدَآنِ بِطَوَافِ الْقُدُومِ قَبْلَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ نَصَّ عَلَيْهِ
أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَاحْتَجَّ بِمَا رَوَتْ
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - ، قَالَتْ : " فَطَافَ الَّذِينَ أَهَلُّوا بِالْعُمْرَةِ بِالْبَيْتِ ، وَبَيْنَ
الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ، ثُمَّ حَلُّوا ، ثُمَّ طَافُوا طَوَافًا آخَرَ بَعْدَ أَنْ رَجَعُوا مِنْ
مِنًى ؛ لِحَجِّهِمْ " ، وَأَمَّا الَّذِينَ جَمَعُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ ، فَإِنَّمَا طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا ، فَحَمَلَ
أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْلَ
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة ، عَلَى أَنَّ طَوَافَهُمْ لِحَجِّهِمْ هُوَ طَوَافُ الْقُدُومِ ، قَالَ : وَلِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ طَوَافَ الْقُدُومِ مَشْرُوعٌ فَلَمْ يَكُنْ طَوَافُ الزِّيَارَةِ مُسْقِطًا لَهُ كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ عِنْدَ دُخُولِهِ قَبْلَ التَّلَبُّسِ بِالصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ .
وَقَالَ
الخرقي فِي " مُخْتَصَرِهِ " : وَإِنْ كَانَ مُتَمَتِّعًا ، فَيَطُوفُ بِالْبَيْتِ سَبْعًا
وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعًا كَمَا فَعَلَ لِلْعُمْرَةِ ، ثُمَّ يَعُودُ فَيَطُوفُ بِالْبَيْتِ طَوَافًا يَنْوِي بِهِ
[ ص: 251 ] الزِّيَارَةَ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=29وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ) [ الْحَجِّ : 29 ] فَمَنْ قَالَ : إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ مُتَمَتِّعًا كَالْقَاضِي وَأَصْحَابِهِ عِنْدَهُمْ هَكَذَا فَعَلَ ، وَالشَّيْخُ
أبو محمد عِنْدَهُ أَنَّهُ كَانَ مُتَمَتِّعًا التَّمَتُّعَ الْخَاصَّ ، وَلَكِنْ لَمْ يَفْعَلْ هَذَا ، قَالَ : وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا وَافَقَ
أبا عبد الله عَلَى هَذَا الطَّوَافِ الَّذِي ذَكَرَهُ
الخرقي ، بَلِ الْمَشْرُوعُ طَوَافٌ وَاحِدٌ لِلزِّيَارَةِ كَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ ، وَقَدْ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَإِنَّهُ يَكْتَفِي بِهَا عَنْ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا أَصْحَابِهِ الَّذِينَ تَمَتَّعُوا مَعَهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ ، وَلَا أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهِ أَحَدًا ، قَالَ : وَحَدِيثُ
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة دَلِيلٌ عَلَى هَذَا ، فَإِنَّهَا قَالَتْ : " طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا بَعْدَ أَنْ رَجَعُوا مِنْ
مِنًى ؛ لِحَجِّهِمْ " وَهَذَا هُوَ طَوَافُ الزِّيَارَةِ وَلَمْ تَذْكُرْ طَوَافًا آخَرَ . وَلَوْ كَانَ هَذَا الَّذِي ذَكَرَتْهُ طَوَافَ الْقُدُومِ ، لَكَانَتْ قَدْ أَخَلَّتْ بِذِكْرِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ الَّذِي هُوَ رُكْنُ الْحَجِّ الَّذِي لَا يَتِمُّ إِلَّا بِهِ ، وَذَكَرَتْ مَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَمَا ذَكَرَتْ إِلَّا طَوَافًا وَاحِدًا ، فَمِنْ أَيْنَ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى طَوَافَيْنِ ؟
وَأَيْضًا ، فَإِنَّهَا لَمَّا حَاضَتْ فَقَرَنَتِ الْحَجَّ إِلَى الْعُمْرَةِ بِأَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَلَمْ تَكُنْ طَافَتْ لِلْقُدُومِ ، لَمْ تَطُفْ لِلْقُدُومِ ، وَلَا أَمَرَهَا بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَلِأَنَّ طَوَافَ الْقُدُومِ لَوْ لَمْ يَسْقُطْ بِالطَّوَافِ الْوَاجِبِ لَشُرِعَ فِي حَقِّ الْمُعْتَمِرِ طَوَافُ الْقُدُومِ مَعَ طَوَافِ الْعُمْرَةِ ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ قُدُومِهِ إِلَى الْبَيْتِ ، فَهُوَ بِهِ أَوْلَى مِنَ الْمُتَمَتِّعِ الَّذِي يَعُودُ إِلَى الْبَيْتِ بَعْدَ رُؤْيَتِهِ وَطَوَافِهِ بِهِ . انْتَهَى كَلَامُهُ .
قُلْتُ : لَمْ يَرْفَعْ كَلَامُ
أبي محمد الْإِشْكَالَ وَإِنْ كَانَ الَّذِي أَنْكَرَهُ هُوَ الْحَقُّ ، كَمَا أَنْكَرَهُ وَالصَّوَابُ فِي إِنْكَارِهِ ، فَإِنَّ أَحَدًا لَمْ يَقُلْ : إِنَّ الصَّحَابَةَ لَمَّا رَجَعُوا مِنْ
عَرَفَةَ ، طَافُوا لِلْقُدُومِ وَسَعَوْا ، ثُمَّ طَافُوا لِلْإِفَاضَةِ بَعْدَهُ ، وَلَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا لَمْ يَقَعْ قَطْعًا ، وَلَكِنْ كَانَ مَنْشَأُ الْإِشْكَالِ أَنَّ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ فَرَّقَتْ بَيْنَ الْمُتَمَتِّعِ وَالْقَارِنِ ، فَأَخْبَرَتْ أَنَّ الْقَارِنِينَ طَافُوا بَعْدَ أَنْ رَجَعُوا مِنْ
مِنًى طَوَافًا وَاحِدًا ، وَأَنَّ الَّذِينَ أَهَلُّوا بِالْعُمْرَةِ طَافُوا طَوَافًا آخَرَ بَعْدَ أَنْ رَجَعُوا مِنْ
مِنًى ؛ لِحَجِّهِمْ وَهَذَا غَيْرُ طَوَافِ الزِّيَارَةِ قَطْعًا ، فَإِنَّهُ يَشْتَرِكُ فِيهِ الْقَارِنُ وَالْمُتَمَتِّعُ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِيهِ وَلَكِنَّ الشَّيْخَ
أبا [ ص: 252 ] محمد ، لَمَّا رَأَى قَوْلَهَا فِي الْمُتَمَتِّعِينَ : إِنَّهُمْ طَافُوا طَوَافًا آخَرَ بَعْدَ أَنْ رَجَعُوا مِنْ
مِنًى ، قَالَ : لَيْسَ فِي هَذَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ طَافُوا طَوَافَيْنِ وَالَّذِي قَالَهُ حَقٌّ ، وَلَكِنْ لَمْ يَرْفَعِ الْإِشْكَالَ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ هَذِهِ الزِّيَادَةُ مِنْ كَلَامِ
عروة ، أَوِ ابْنِهِ
هشام ، أُدْرِجَتْ فِي الْحَدِيثِ ، وَهَذَا لَا يَتَبَيَّنُ ، وَلَوْ كَانَ فَغَايَتُهُ أَنَّهُ مُرْسَلٌ وَلَمْ يَرْتَفِعِ الْإِشْكَالُ عَنْهُ بِالْإِرْسَالِ .
فَالصَّوَابُ : أَنَّ الطَّوَافَ الَّذِي أَخْبَرَتْ بِهِ
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة ، وَفَرَّقَتْ بِهِ بَيْنَ الْمُتَمَتِّعِ وَالْقَارِنِ هُوَ الطَّوَافُ بَيْنَ
الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ، لَا الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ ، وَزَالَ الْإِشْكَالُ جُمْلَةً ، فَأَخْبَرَتْ عَنِ الْقَارِنِينَ أَنَّهُمُ اكْتَفَوْا بِطَوَافٍ وَاحِدٍ بَيْنَهُمَا ، لَمْ يُضِيفُوا إِلَيْهِ طَوَافًا آخَرَ يَوْمَ النَّحْرِ ، وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ ، وَأَخْبَرَتْ عَنِ الْمُتَمَتِّعِينَ أَنَّهُمْ طَافُوا بَيْنَهُمَا طَوَافًا آخَرَ بَعْدَ الرُّجُوعِ مِنْ مِنًى لِلْحَجِّ ، وَذَلِكَ الْأَوَّلُ كَانَ لِلْعُمْرَةِ وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ ، وَتَنْزِيلُ الْحَدِيثِ عَلَى هَذَا مُوَافِقٌ لِحَدِيثِهَا الْآخَرَ وَهُوَ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16001298يَسَعُكِ طَوَافُكِ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِحَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ " ، وَكَانَتْ قَارِنَةً يُوَافِقُ قَوْلَ الْجُمْهُورِ .
وَلَكِنْ يُشْكِلُ عَلَيْهِ حَدِيثُ
جابر الَّذِي رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم فِي " صَحِيحِهِ " :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16001299لَمْ يَطُفِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَلَا أَصْحَابُهُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ إِلَّا طَوَافًا وَاحِدًا ، طَوَافَهُ الْأَوَّلَ . هَذَا يُوَافِقُ قَوْلَ مَنْ يَقُولُ يَكْفِي الْمُتَمَتِّعَ سَعْيٌ وَاحِدٌ ، كَمَا هُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ
أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - نَصَّ عَلَيْهَا فِي رِوَايَةِ ابْنِهِ
عبد الله وَغَيْرِهِ وَعَلَى هَذَا ، فَيُقَالُ
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة أَثْبَتَتْ
وجابر نَفَى ، وَالْمُثْبِتُ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي .
أَوْ يُقَالُ مُرَادُ
جابر مَنْ قَرَنَ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسَاقَ الْهَدْيَ
كأبي بكر وعمر وطلحة وعلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَذَوِي الْيَسَارِ فَإِنَّهُمْ إِنَّمَا سَعَوْا سَعْيًا وَاحِدًا .
وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ عُمُومَ الصَّحَابَةِ ، أَوْ يُعَلَّلُ حَدِيثُ
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة ، بِأَنَّ تِلْكَ الزِّيَادَةَ فِيهِ مُدْرَجَةٌ مِنْ قَوْلِ
هشام وَهَذِهِ ثَلَاثُ طُرُقٍ لِلنَّاسِ فِي حَدِيثِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ .