فصل
فلما أكمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نحره ، فقال للحلاق - وهو استدعى بالحلاق فحلق رأسه معمر بن عبد الله وهو قائم على رأسه بالموسى ونظر في وجهه - وقال : يا معمر أمكنك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من شحمة أذنه وفي يدك الموسى " فقال معمر : أما والله يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن ذلك لمن نعمة الله علي ومنه . قال : " أجل إذا [ ص: 248 ] أقر لك " ذكر ذلك - رحمه الله - . الإمام أحمد
وقال في " صحيحه " : وزعموا أن الذي حلق للنبي - صلى الله عليه وسلم - البخاري معمر بن عبد الله بن نضلة بن عوف انتهى .
فقال للحلاق : خذ ، وأشار إلى جانبه الأيمن ، فلما فرغ منه ، قسم شعره بين من يليه ، ثم أشار إلى الحلاق ، فحلق جانبه الأيسر ، ثم قال هاهنا أبو طلحة ؟ فدفعه إليه هكذا وقع في " صحيح " . مسلم
وفي " صحيح " : عن البخاري ، عن ابن سيرين أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما حلق رأسه كان أبو طلحة أول من أخذ من شعره ، وهذا لا يناقض رواية ، لجواز أن يصيب مسلم أبا طلحة من الشق الأيمن مثل ما أصاب غيره ، ويختص بالشق الأيسر ، لكن قد روى في " صحيحه " أيضا من حديث مسلم أنس ، قال : لما رمى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الجمرة ونحر نسكه وحلق ناول الحلاق شقه الأيمن فحلقه ثم دعا ، فأعطاه إياه ثم ناوله الشق الأيسر فقال : احلق . فحلقه فأعطاه أبا طلحة الأنصاري أبا طلحة ، فقال اقسمه بين الناس . ففي هذه الرواية كما ترى أن نصيب أبي طلحة كان الشق الأيمن ، وفي الأولى : أنه كان الأيسر . قال الحافظ أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي ، رواه من رواية مسلم ، حفص بن غياث ، عن وعبد الأعلى بن عبد الأعلى عن هشام بن حسان ، ، عن محمد بن سيرين أنس ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أبي طلحة شعر شقه الأيسر ، [ ص: 249 ] ورواه من رواية دفع إلى ، عن سفيان بن عيينة ، هشام بن حسان أبي طلحة شعر شقه الأيمن . قال ورواية أنه دفع إلى ابن عون ، عن أراها تقوي رواية ابن سيرين سفيان والله أعلم .
قلت : يريد برواية ابن عون ، ما ذكرناه عن ، من طريق ابن سيرين ، وجعل الذي سبق إليه البخاري أبو طلحة ، هو الشق الذي اختص به . والله أعلم .
والذي يقوى أن نصيب أبي طلحة الذي اختص به كان الشق الأيسر وأنه - صلى الله عليه وسلم - عم ، ثم خص ، وهذه كانت سنته ، في عطائه ، وعلى هذا أكثر الروايات ، فإن في بعضها أنه ، قال للحلاق : " أم سليم ، ولا يعارض هذا دفعه إلى خذ " وأشار إلى جانبه الأيمن ، فقسم شعره بين من يليه ، ثم أشار إلى الحلاق إلى الجانب الأيسر فحلقه ، فأعطاه أبي طلحة ، فإنها امرأته .
وفي لفظ آخر أبو طلحة ؟ فدفعه إليه . فبدأ بالشق الأيمن فوزعه الشعرة والشعرتين بين الناس ، ثم قال : بالأيسر ، فصنع به مثل ذلك ، ثم قال : هاهنا
وفي لفظ ثالث : دفع إلى أبي طلحة شعر شق رأسه الأيسر ثم قلم أظفاره وقسمها بين الناس .
وذكر - رحمه الله - من حديث الإمام أحمد محمد بن عبد الله بن زيد ، أن أباه حدثه أنه شهد النبي - صلى الله عليه وسلم - عند المنحر ، ورجل من قريش ، وهو يقسم أضاحي فلم يصبه شيء ، ولا صاحبه فحلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأسه في ثوبه ، فأعطاه فقسم منه على رجال ، وقلم أظفاره فأعطاه صاحبه ، قال : فإنه عندنا مخضوب بالحناء والكتم يعني شعره .
ودعا للمحلقين بالمغفرة ثلاثا ، وللمقصرين مرة ، وحلق كثير من الصحابة ، بل أكثرهم وقصر بعضهم ، وهذا مع قوله تعالى : ( لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين ) [ الفتح 27 ] ومع قول - رضي الله عنها - ، عائشة ، دليل على أن طيبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لإحرامه قبل أن يحرم ولإحلاله قبل [ ص: 250 ] أن يحل وليس بإطلاق من محظور . الحلق نسك