فصل
والذي يدل على أن مكة فتحت عنوة وجوه : أحدها : أنه لم ينقل أحد قط أن النبي صلى الله عليه وسلم صالح أهلها زمن الفتح ، ولا جاءه أحد منهم صالحه على البلد ، وإنما جاءه أبو سفيان ، فأعطاه الأمان لمن دخل داره ، أو أغلق بابه ، أو دخل المسجد ، أو ألقى سلاحه .
ولو كانت قد فتحت [ ص: 109 ] صلحا ، لم يقل : من دخل داره ، أو أغلق بابه ، أو دخل المسجد فهو آمن ، فإن الصلح يقتضي الأمان العام .
الثاني : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( مكة الفيل ، وسلط عليها رسوله والمؤمنين ، وإنه أذن لي فيها ساعة من نهار ) وفي لفظ : ( إن الله حبس عن ) وفي لفظ : ( إنها لا تحل لأحد قبلي ، ولن تحل لأحد بعدي ، وإنما أحلت لي ساعة من نهار ) . وهذا صريح في أنها فتحت عنوة . فإن أحد ترخص لقتال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقولوا : إن الله أذن لرسوله ، ولم يأذن لكم ، وإنما أذن لي ساعة من نهار ، وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس
وأيضا ، فإنه ثبت في " الصحيح " : ( على المجنبة اليمنى ، وجعل خالد بن الوليد الزبير على المجنبة اليسرى ، وجعل أبا عبيدة على الحسر وبطن الوادي ، فقال : يا ادع لي أبا هريرة الأنصار فجاءوا يهرولون ، فقال : يا معشر الأنصار ، هل ترون أوباش قريش ؟ قالوا : نعم ، قال : انظروا إذا لقيتموهم غدا أن تحصدوهم حصدا ، وأخفى بيده ، ووضع يمينه على شماله ، وقال : موعدكم الصفا ، قال : فما أشرف يومئذ لهم أحد إلا أناموه ، وصعد رسول الله صلى الله عليه وسلم الصفا ، وجاءت الأنصار ، فأطافوا بالصفا ، فجاء أبو سفيان فقال : يا رسول الله! أبيدت خضراء قريش ، لا قريش بعد اليوم . فقال [ ص: 110 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم : من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، ومن ألقى السلاح فهو آمن ، ومن أغلق بابه فهو آمن . أنه جعل يوم الفتح
وأيضا ، أجارت رجلا ، فأراد أم هانئ علي بن أبي طالب قتله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ ) وفي لفظ عنها : فإن مكة ، أجرت رجلين من أحمائي ، فأدخلتهما بيتا ، وأغلقت عليهما بابا ، فجاء ابن أمي علي فتفلت عليهما بالسيف ، فذكرت حديث الأمان ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ ) وذلك ضحى بجوف لما كان يوم فتح مكة بعد الفتح . فإجارتها له ، وإرادة علي رضي الله عنه قتله ، وإمضاء النبي صلى الله عليه وسلم إجارتها صريح في أنها فتحت عنوة .
وأيضا فإنه أمر بقتل مقيس بن صبابة ، وابن خطل ، وجاريتين ، ولو كانت فتحت صلحا ، لم يأمر بقتل أحد من أهلها ، ولكان ذكر هؤلاء مستثنى من عقد الصلح ، وأيضا ففي " السنن " بإسناد صحيح : " مكة ، قال : أمنوا الناس إلا امرأتين ، وأربعة نفر . اقتلوهم وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة ) والله أعلم . أن النبي صلى الله عليه وسلم لما كان يوم فتح