الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل

وقوله - صلى الله عليه وسلم - " فله سلبه " دليل على أن له سلبه كله غير مخمس ، وقد صرح بهذا في قوله لسلمة بن الأكوع لما قتل قتيلا : ( له سلبه أجمع ) .

وفي المسألة ثلاثة مذاهب هذا أحدها .

والثاني : أنه يخمس كالغنيمة ، وهذا قول الأوزاعي وأهل الشام ، وهو مذهب ابن عباس لدخوله في آية الغنيمة .

والثالث : أن الإمام إن استكثره خمسه ، وإن استقله لم يخمسه ، وهو قول إسحاق ، وفعله عمر بن الخطاب ، فروى سعيد في " سننه " عن ابن سيرين ، أن البراء بن مالك بارز مرزبان المرازبة بالبحرين فطعنه ، فدق صلبه ، وأخذ سواريه وسلبه ، فلما صلى عمر الظهر أتى البراء في داره ، فقال : ( إنا كنا لا نخمس السلب ، وإن سلب البراء قد بلغ مالا ، وأنا خامسه ) ، فكان أول سلب خمس في الإسلام سلب البراء وبلغ ثلاثين ألفا .

والأول أصح ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 433 ] ( لم يخمس السلب ) ، وقال : هو له أجمع ، ومضت على ذلك سنته وسنة الصديق بعده ، وما رآه عمر اجتهاد منه أداه إليه رأيه .

والحديث يدل على أنه من أصل الغنيمة ، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى به للقاتل ، ولم ينظر في قيمته وقدره واعتبار خروجه من خمس الخمس ، وقال مالك : هو من خمس الخمس ، ويدل على أنه يستحقه من يسهم له ، ومن لا يسهم له ، من صبي وامرأة وعبد ومشرك ، وقال الشافعي في أحد قوليه : لا يستحق السلب إلا من يستحق السهم ؛ لأن السهم المجمع عليه إذا لم يستحقه العبد والصبي والمرأة والمشرك ، فالسلب أولى ، والأول أصح للعموم ، ولأنه جار مجرى قول الإمام : من فعل كذا وكذا ، أو دل على حصن ، أو جاء برأس فله كذا مما فيه تحريض على الجهاد ، والسهم مستحق بالحضور ، وإن لم يكن منه فعل ، والسلب مستحق بالفعل ، فجرى مجرى الجعالة .

التالي السابق


الخدمات العلمية