فصل
وكانت تقدم عليه رسل أعدائه ، وهم على عداوته ، فلا يهيجهم ، ولا يقتلهم ، ولما قدم عليه رسولا مسيلمة الكذاب : وهما عبد الله بن النواحة وابن أثال ، قال لهما : ( لضربت أعناقكما الرسل لا تقتل ) فجرت سنته ألا يقتل رسول . [ ص: 126 ] وكان هديه أيضا ألا يحبس الرسول عنده إذا اختار دينه فلا يمنعه من اللحاق بقومه بل يرده إليهم كما قال : فما تقولان أنتما ؟ قالا : نقول كما قال . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لولا أن أبو رافع بعثتني قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلما أتيته ، وقع في قلبي الإسلام ، فقلت : يا رسول الله! لا أرجع إليهم . فقال : ( ) . إني لا أخيس بالعهد ، ولا أحبس البرد ، ارجع إليهم ، فإن كان في قلبك الذي فيه الآن ، فارجع
قال أبو داود : وكان هذا في المدة التي شرط لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرد إليهم من جاء منهم ، وإن كان مسلما ، وأما اليوم ، فلا يصلح هذا. انتهى .
وفي قوله : ( ) إشعار بأن هذا حكم يختص بالرسل مطلقا ، وأما رده لمن جاء إليه منهم وإن كان مسلما ، فهذا إنما يكون مع الشرط ، كما قال لا أحبس البرد أبو داود ، وأما الرسل ، فلهم حكم آخر ، ألا تراه لم يتعرض لرسولي مسيلمة وقد قالا له في وجهه : نشهد أن مسيلمة رسول الله .
وكان من هديه ، أن أعداءه إذا عاهدوا واحدا من أصحابه على عهد لا يضر بالمسلمين من غير رضاه ، أمضاه لهم ، كما عاهدوا حذيفة وأباه الحسيل أن لا يقاتلاهم معه صلى الله عليه وسلم ، فأمضى لهم ذلك وقال لهما : ( ) . انصرفا نفي لهم بعهدهم ، ونستعين الله عليهم