فصل 
ولما كان في مرجعه من تبوك  ، أخذت خيله أكيدر دومة  ، فصالحه  [ ص: 141 ] على الجزية وحقن له دمه " . 
( وصالح أهل نجران  من النصارى  على ألفي حلة   . النصف في صفر ، والبقية في رجب يؤدونها إلى المسلمين ، وعارية ثلاثين درعا ، وثلاثين فرسا ، وثلاثين بعيرا ، وثلاثين من كل صنف من أصناف السلاح ، يغزون بها ، والمسلمون ضامنون لها حتى يردوها عليهم إن كان باليمن  كيد أو غدرة ، على ألا تهدم لهم بيعة ، ولا يخرج لهم قس ، ولا يفتنوا عن دينهم ما لم يحدثوا حدثا أو يأكلوا الربا  ) . 
وفي هذا دليل على انتقاض عهد الذمة بإحداث الحدث  ، وأكل الربا إذا كان مشروطا عليهم . 
ولما وجه معاذا  إلى اليمن  ، ( أمره أن يأخذ من كل محتلم دينارا أو قيمته من المعافري ، وهي ثياب تكون باليمن   ) . 
وفي هذا دليل على أن الجزية غير مقدرة الجنس  ، ولا القدر ، بل يجوز أن تكون ثيابا وذهبا وحللا ، ، وتزيد وتنقص بحسب حاجة المسلمين ، واحتمال من تؤخذ منه ، وحاله في الميسرة ، وما عنده من المال . 
 [ ص: 142 ] ولم يفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا خلفاؤه في الجزية بين العرب والعجم ، بل أخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم من نصارى العرب ، وأخذها من مجوس هجر ، وكانوا عربا ، فإن العرب أمة ليس لها في الأصل كتاب ، وكانت كل طائفة منهم تدين بدين من جاورها من الأمم ، فكانت عرب البحرين  مجوسا لمجاورتها فارس  ، وتنوخ  ، وبهرة  ، وبنو تغلب  نصارى لمجاورتهم للروم  ، وكانت قبائل من اليمن  يهود لمجاورتهم ليهود اليمن  ، فأجرى رسول الله صلى الله عليه وسلم أحكام الجزية ، ولم يعتبر آباءهم ، ولا متى دخلوا في دين أهل الكتاب : هل كان دخولهم قبل النسخ والتبديل ، أو بعده ، ومن أين يعرفون ذلك وكيف ينضبط وما الذي دل عليه ؟ وقد ثبت في السير والمغازي ، أن من الأنصار  من تهود أبناؤهم بعد النسخ بشريعة عيسى  ، وأراد آباؤهم إكراههم على الإسلام ، فأنزل الله تعالى : ( لا إكراه في الدين   ) [ البقرة : 256 ] وفي قوله لمعاذ   : ( خذ من كل حالم دينارا  ) دليل على أنها لا تؤخذ من صبي ولا امرأة . 
فإن قيل : فكيف تصنعون بالحديث الذي رواه عبد الرزاق  في " مصنفه " وأبو عبيد  في " الأموال " أن النبي صلى الله عليه وسلم ( أمر  معاذ بن جبل   : أن يأخذ من اليمن  الجزية من كل حالم أو حالمة  ) زاد أبو عبيد   : عبدا أو أمة ، دينارا أو قيمته من المعافري " فهذا فيه أخذها من الرجل والمرأة ، والحر والرقيق ؟ قيل :  [ ص: 143 ] هذا لا يصح وصله ، وهو منقطع ، وهذه الزيادة مختلف فيها ، لم يذكرها سائر الرواة ، ولعلها من تفسير بعض الرواة . وقد روى الإمام أحمد  ، وأبو داود   والترمذي  ،  والنسائي  ،  وابن ماجه  ، وغيرهم هذا الحديث ، فاقتصروا على قوله أمره " أن يأخذ من حالم دينارا " ، ولم يذكروا هذه الزيادة وأكثر من أخذ منهم النبي صلى الله عليه وسلم الجزية العرب من النصارى ، واليهود ، والمجوس ، ولم يكشف عن أحد منهم متى دخل في دينه ، وكان يعتبرهم بأديانهم لا بآبائهم . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					