فصل 
فلما كانوا بذي الحليفة  قلد رسول الله صلى الله عليه وسلم الهدي وأشعره  ، وأحرم بالعمرة ، وبعث بين يديه عينا له من خزاعة  يخبره عن قريش  ، حتى إذا كان قريبا من عسفان  أتاه عينه فقال : إني تركت كعب بن لؤي  قد جمعوا لك الأحابيش ، وجمعوا لك جموعا ، وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت  ومانعوك ، واستشار النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه وقال : أترون أن نميل إلى ذراري هؤلاء الذين أعانوهم فنصيبهم ، فإن قعدوا قعدوا موتورين محروبين ، وإن يجيئوا تكن عنقا قطعها الله ، أم ترون أن نؤم البيت  ، فمن صدنا عنه قاتلناه ؟ فقال أبو بكر   : الله ورسوله أعلم ، إنما جئنا معتمرين ، ولم نجئ لقتال أحد ، ولكن من حال بيننا وبين البيت  قاتلناه . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( فروحوا إذا ) فراحوا حتى إذا كانوا ببعض الطريق قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن  خالد بن الوليد  بالغميم  في خيل لقريش  طليعة  [ ص: 258 ] فخذوا ذات اليمين " ، فوالله ما شعر بهم خالد  حتى إذا هم بقترة الجيش فانطلق يركض نذيرا لقريش  ، وسار النبي صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان بالثنية  التي يهبط عليهم منها بركت به راحلته ، فقال الناس : حل حل . فألحت ، فقالوا : خلأت القصواء خلأت القصواء . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ما خلأت القصواء وما ذاك لها بخلق ، ولكن حبسها حابس الفيل ) . ثم قال ( والذي نفسي بيده لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها ) ، ثم زجرها فوثبت به ، فعدل حتى نزل بأقصى الحديبية  على ثمد قليل الماء إنما يتبرضه الناس تبرضا ، فلم يلبثه الناس أن نزحوه ، فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العطش ، فانتزع سهما من كنانته ثم أمرهم أن يجعلوه فيه . قال : فوالله ما زال يجيش لهم بالري حتى صدروا عنه . 
وفزعت قريش  لنزوله عليهم ، فأحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبعث إليهم رجلا من أصحابه ، فدعا  عمر بن الخطاب  ليبعثه إليهم ، فقال : يا رسول الله ، ليس لي بمكة  أحد من بني كعب  يغضب لي إن أوذيت ، فأرسل  عثمان بن عفان  فإن عشيرته بها ، وإنه مبلغ ما أردت . فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم  عثمان بن عفان  فأرسله إلى قريش  وقال : أخبرهم أنا لم نأت لقتال ، وإنما جئنا عمارا ، وادعهم إلى الإسلام ، وأمره أن يأتي رجالا بمكة  مؤمنين ونساء مؤمنات فيدخل عليهم ، ويبشرهم بالفتح ، ويخبرهم أن الله عز وجل مظهر دينه بمكة  ، حتى لا يستخفى فيها بالإيمان ، فانطلق عثمان  فمر على قريش  ببلدح  فقالوا : أين تريد ؟ فقال:  [ ص: 259 ] بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أدعوكم إلى الله وإلى الإسلام ، وأخبركم أنا لم نأت لقتال ، وإنما جئنا عمارا . فقالوا : قد سمعنا ما تقول ، فانفذ لحاجتك ، وقام إليه  أبان بن سعيد بن العاص  فرحب به وأسرج فرسه ، فحمل عثمان  على الفرس ، وأجاره ، وأردفه أبان حتى جاء مكة  ، وقال المسلمون قبل أن يرجع عثمان   : خلص عثمان  قبلنا إلى البيت  وطاف به . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما أظنه طاف بالبيت  ونحن محصورون " . فقالوا : وما يمنعه يا رسول الله وقد خلص ؟ قال " ذاك ظني به ألا يطوف بالكعبة  حتى نطوف معه ) 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					