[ ص: 270 ] ومنها : أن النبي صلى الله عليه وسلم عدل ذات اليمين إلى الحديبية   . قال  الشافعي   : بعضها من الحل وبعضها من الحرم . 
وروى  الإمام أحمد  في هذه القصة أن النبي صلى الله عليه وسلم ( كان يصلي في الحرم ، وهو مضطرب في الحل  ) ، وفي هذا كالدلالة على أن مضاعفة الصلاة بمكة   تتعلق بجميع الحرم ، لا يخص بها المسجد الذي هو مكان الطواف ، وأن قوله : ( صلاة في المسجد الحرام  أفضل من مائة صلاة في مسجدي  ) ، كقوله تعالى : ( فلا يقربوا المسجد الحرام   ) [ التوبة : 28 ] وقوله تعالى : ( سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام   ) [ الإسراء : 1 ] وكان الإسراء من بيت  أم هانئ   . 
ومنها : أن من نزل قريبا من مكة  فإنه ينبغي له أن ينزل في الحل ، ويصلي في الحرم ، وكذلك كان  ابن عمر  يصنع . 
ومنها : جواز ابتداء الإمام بطلب صلح العدو  ، إذا رأى المصلحة للمسلمين فيه ، ولا يتوقف ذلك على أن يكون ابتداء الطلب منهم . 
وفي قيام  المغيرة بن شعبة  على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسيف - ولم يكن عادته أن يقام على رأسه وهو قاعد - سنة يقتدى بها عند قدوم رسل العدو من إظهار العز والفخر وتعظيم الإمام وطاعته ووقايته بالنفوس ، وهذه هي العادة الجارية عند قدوم رسل المؤمنين على الكافرين ، وقدوم رسل الكافرين على المؤمنين ، وليس هذا من هذا النوع الذي ذمه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : ( من أحب أن يتمثل له الرجال قياما ، فليتبوأ مقعده من النار  ) كما أن الفخر والخيلاء في الحرب   [ ص: 271 ] ليسا من هذا النوع المذموم في غيره ، وفي بعث البدن في وجه الرسول الآخر دليل على استحباب إظهار شعائر الإسلام لرسل الكفار   . 
وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم للمغيرة   : ( أما الإسلام فأقبل ، وأما المال فلست منه في شيء  ) دليل على أن مال المشرك المعاهد  معصوم ، وأنه لا يملك بل يرد عليه ؛ فإن المغيرة  كان قد صحبهم على الأمان ثم غدر بهم وأخذ أموالهم ، فلم يتعرض النبي صلى الله عليه وسلم لأموالهم ولا ذب عنها ، ولا ضمنها لهم ؛ لأن ذلك كان قبل إسلام المغيرة   . 
وفي قول الصديق لعروة   : امصص بظر اللات . دليل على جواز التصريح باسم العورة إذا كان فيه مصلحة تقتضيها تلك الحال ، كما أذن النبي صلى الله عليه وسلم أن يصرح لمن ادعى دعوى الجاهلية بهن أبيه ، ويقال له : اعضض أير أبيك ، ولا يكنى له ، فلكل مقام مقال . 
ومنها : احتمال قلة أدب رسول الكفار وجهله وجفوته ، ولا يقابل على ذلك ؛ لما فيه من المصلحة العامة ، ولم يقابل النبي صلى الله عليه وسلم عروة  على أخذه بلحيته وقت خطابه ، وإن كانت تلك عادة العرب ، لكن الوقار والتعظيم خلاف ذلك . 
وكذلك لم يقابل رسول الله صلى الله عليه وسلم رسولي مسيلمة  حين قالا : نشهد أنه رسول الله وقال : ( لولا أن الرسل لا تقتل لقتلتكما  ) 
ومنها : طهارة النخامة  سواء كانت من رأس أو صدر . 
ومنها : طهارة الماء المستعمل   . 
ومنها : استحباب التفاؤل ، وأنه ليس من الطيرة المكروهة ؛ لقوله لما جاء سهيل   " سهل أمركم  " . 
 [ ص: 272 ] ومنها : أن المشهود عليه إذا عرف باسمه واسم أبيه  أغنى ذلك عن ذكر الجد ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزد على محمد بن عبد الله ، وقنع من سهيل  بذكر اسمه واسم أبيه خاصة ، واشتراط ذكر الجد لا أصل له ، ولما اشترى العداء بن خالد  منه صلى الله عليه وسلم الغلام ، فكتب له : ( هذا ما اشترى العداء بن خالد بن هوذة   ) ، فذكر جده ، فهو زيادة بيان تدل على أنه جائز لا بأس به ، ولا تدل على اشتراطه ، ولما لم يكن في الشهرة بحيث يكتفى باسمه واسم أبيه ذكر جده ، فيشترط ذكر الجد عند الاشتراك في الاسم واسم الأب ، وعند عدم الاشتراك اكتفي بذكر الاسم واسم الأب . والله أعلم . 
ومنها : أن مصالحة المشركين ببعض ما فيه ضيم على المسلمين  جائزة للمصلحة الراجحة ، ودفع ما هو شر منه ، ففيه دفع أعلى المفسدتين باحتمال أدناهما . 
ومنها : أن من حلف على فعل شيء أو نذره أو وعد غيره به ، ولم يعين وقتا  ، لا بلفظه ولا بنيته ، لم يكن على الفور ، بل على التراخي . 
ومنها : أن الحلاق نسك ، وأنه أفضل من التقصير  ، وأنه نسك في العمرة كما هو نسك في الحج ، وأنه نسك في عمرة المحصور كما هو نسك في عمرة غيره . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					