واختلف في فتح خيبر   : هل كان عنوة أو كان بعضها صلحا وبعضها عنوة  ؟ 
فروى أبو داود  من حديث أنس   ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا خيبر  فأصبناها عنوة ، فجمع السبي  ) 
وقال  ابن إسحاق   : سألت  ابن شهاب  فأخبرني ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم افتتح خيبر  عنوة بعد القتال  ) 
وذكر أبو داود  عن  ابن شهاب   : ( بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم افتتح خيبر   [ ص: 312 ] عنوة بعد القتال ، ونزل من نزل من أهلها على الجلاء بعد القتال  ) 
قال  ابن عبد البر   : هذا هو الصحيح في أرض خيبر  ، أنها كانت عنوة كلها مغلوبا عليها ، بخلاف فدك ؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم جميع أرضها على الغانمين لها الموجفين عليها بالخيل والركاب ، وهم أهل الحديبية  ، ولم يختلف العلماء أن أرض خيبر  مقسومة ، وإنما اختلفوا : هل تقسم الأرض إذا غنمت البلاد أو توقف ؟ 
فقال الكوفيون : الإمام مخير بين قسمتها كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأرض خيبر  ، وبين إيقافها كما فعل عمر  بسواد العراق   . 
وقال  الشافعي   : تقسم الأرض كلها كما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر  ؛ لأن الأرض غنيمة كسائر أموال الكفار . 
وذهب مالك  إلى إيقافها اتباعا لعمر  ؛ لأن الأرض مخصوصة من سائر الغنيمة بما فعل عمر  في جماعة من الصحابة من إيقافها لمن يأتي بعده من المسلمين ، وروى مالك  عن  زيد بن أسلم  عن أبيه قال : سمعت عمر  يقول : ( لولا أن يترك آخر الناس لا شيء لهم ما افتتح المسلمون قرية إلا قسمتها سهمانا كما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر  سهمانا  ) 
وهذا يدل على أن أرض خيبر  قسمت كلها سهمانا كما قال  ابن إسحاق   . 
وأما من قال : إن خيبر  كان بعضها صلحا وبعضها عنوة ، فقد وهم وغلط ، وإنما دخلت عليهم الشبهة بالحصنين اللذين أسلمهما أهلهما في حقن دمائهم ، فلما لم يكن أهل ذينك الحصنين من الرجال والنساء والذرية  [ ص: 313 ] مغنومين ، ظن أن ذلك لصلح ، ولعمري إن ذلك في الرجال والنساء والذرية كضرب من الصلح ، ولكنهم لم يتركوا أرضهم إلا بالحصار والقتال ، فكان حكم أرضهما حكم سائر أرض خيبر  كلها عنوة غنيمة مقسومة بين أهلها . 
وربما شبه على من قال : إن نصف خيبر  صلح ، ونصفها عنوة ، بحديث  يحيى بن سعيد  عن  بشير بن يسار   : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( قسم خيبر  نصفين : نصفا له ونصفا للمسلمين  ) 
قال أبو عمر   : ولو صح هذا لكان معناه أن النصف له مع سائر من وقع في ذلك النصف معه ؛ لأنها قسمت على ستة وثلاثين سهما ، فوقع السهم للنبي صلى الله عليه وسلم وطائفة معه في ثمانية عشر سهما ، ووقع سائر الناس في باقيها ، وكلهم ممن شهد الحديبية  ثم خيبر  ، وليست الحصون التي أسلمها أهلها بعد الحصار والقتال صلحا ، ولو كانت صلحا لملكها أهلها كما يملك أهل الصلح أرضهم وسائر أموالهم ، فالحق في هذا ما قاله  ابن إسحاق  دون ما قاله  موسى بن عقبة  وغيره عن  ابن شهاب   . هذا آخر كلام أبي عمر   . 
قلت : ذكر مالك  عن  ابن شهاب  أن خيبر  كان بعضها عنوة وبعضها صلحا ، والكتيبة أكثرها عنوة ، وفيها صلح . قال مالك   : والكتيبة أرض خيبر  وهو أربعون ألف عذق . 
وقال مالك  عن  الزهري  ، عن  ابن المسيب  ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( افتتح بعض خيبر  عنوة  ) 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					