الباب الثالث
في اللطائف المستنبطة من قولنا أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
النكتة الأولى : في قوله ( أعوذ بالله ) عروج من الخلق إلى الخالق ، ومن الممكن إلى الواجب : وهذا هو الطريق المتعين في أول الأمر ؛ لأن في أول الأمر لا طريق إلى معرفته إلا بأن يستدل باحتياج الخلق على وجود الحق الغني القادر ، فقوله : ( أعوذ ) إشارة إلى الحاجة التامة ، فإنه لولا الاحتياج لما كان في الاستعاذة فائدة وقوله ( بالله ) إشارة إلى الغنى التام للحق ، فقول العبد ( أعوذ ) إقرار على نفسه بالفقر والحاجة وقوله ( بالله ) إقرار بأمرين .
أحدهما بأن الحق قادر على تحصيل كل الخيرات ودفع كل الآفات .
والثاني أن غيره غير موصوف بهذه الصفة فلا دافع للحاجات إلا هو ولا معطي للخيرات إلا هو ، فعند مشاهدة هذه الحالة يفر العبد من نفسه ومن كل شيء سوى الحق فيشاهد في هذا الفرار سر قوله : ( ففروا إلى الله ) [ الذاريات : 50 ] وهذه الحالة تحصل عند قوله ( أعوذ ) ثم إذا وصل إلى غيبة الحق وصار غريقا في نور جلال الحق شاهد قوله : " قل الله ثم ذرهم " فعند ذلك يقول : ( أعوذ بالله ) .