الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            [ ص: 80 ] المسألة الثانية عشرة : من الناس من أثبت لهذه الشياطين قدرة على الإحياء ، وعلى الإماتة وعلى خلق الأجسام ، وعلى تغيير الأشخاص عن صورتها الأصلية وخلقتها الأولية ، ومنهم من أنكر هذه الأحوال ، وقال : إنه لا قدرة لها على شيء من هذه الأحوال .

                                                                                                                                                                                                                                            أما أصحابنا فقد أقاموا الدلالة على أن القدرة على الإيجاد والتكوين والإحداث ليست إلا لله ، فبطلت هذه المذاهب بالكلية .

                                                                                                                                                                                                                                            وأما المعتزلة فقد سلموا أن الإنسان قادر على إيجاد بعض الحوادث ، فلا جرم صاروا محتاجين إلى بيان أن هذه الشياطين لا قدرة لها على خلق الأجسام والحياة ، ودليلهم أن قالوا : الشيطان جسم ، وكل جسم فإنه قادر بالقدرة ، والقدرة لا تصلح لإيجاد الأجسام ، فهذه مقدمات ثلاث :

                                                                                                                                                                                                                                            المقدمة الأولى أن الشيطان جسم ، وقد بنوا هذه المقدمة على أن ما سوى الله تعالى إما متحيز وإما حال في المتحيز ، وليس لهم في إثبات هذه المقدمة شبهة فضلا عن حجة .

                                                                                                                                                                                                                                            وأما المقدمة الثانية - وهي قولهم الجسم إنما يكون قادرا بالقدرة - فقد بنوا هذا على أن الأجسام مما تستلزم مماثلة ، فلو كان شيء منها قادرا لذاته لكان الكل قادرا لذاته ، وبناء هذه المقدمة على تماثل الأجسام .

                                                                                                                                                                                                                                            وأما المقدمة الثالثة - وهي قولهم هذه القدرة التي لنا لا تصلح لخلق الأجسام فوجب أن لا تصلح القدرة الحادثة لخلق الأجسام - وهذا أيضا ضعيف ؛ لأنه يقال لهم لم لا يجوز حصول قدرة مخالفة لهذه القدرة الحاصلة لنا وتكون تلك القدرة صالحة لخلق الأجسام فإنه لا يلزم من عدم وجود الشيء في الحال امتناع وجوده ؟ فهذا إتمام الكلام في هذه المسألة .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية