الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            الركن الخامس من أركان مباحث الاستعاذة المطالب التي لأجلها يستعاذ :

                                                                                                                                                                                                                                            اعلم أنا قد بينا أن حاجات العبد غير متناهية ، فلا خير من الخيرات إلا وهو محتاج إلى تحصيله ، ولا شر من الشرور إلا وهو محتاج إلى دفعه وإبطاله ، فقوله : ( أعوذ بالله ) يتناول دفع جميع الشرور الروحانية والجسمانية ، وكلها أمور غير متناهية ونحن ننبه على معاقدها فنقول : الشرور إما أن تكون من باب الاعتقادات الحاصلة في القلوب ، وإما أن تكون من باب الأعمال الموجودة في الأبدان ، أما القسم الأول فيدخل فيه جميع العقائد الباطلة .

                                                                                                                                                                                                                                            واعلم أن أقسام المعلومات غير متناهية كل واحد منها يمكن أن يعتقد اعتقادا صوابا صحيحا ويمكن أن يعتقد اعتقادا فاسدا خطأ ، ويدخل في هذه الجملة مذاهب فرق الضلال في العالم ، وهي اثنتان وسبعون فرقة من هذه الأمة وسبعمائة أو أكثر خارج عن هذه الأمة . فقوله : ( أعوذ بالله ) يتناول الاستعاذة من كل واحد منها .

                                                                                                                                                                                                                                            [ ص: 81 ] وأما ما يتعلق بالأعمال البدنية فهي على قسمين : منها ما يفيد المضار الدينية ، ومنها ما يفيد المضار الدنيوية ، فأما المضار الدينية فكل ما نهى الله عنه في جميع أقسام التكاليف ، وضبطها كالمعتذر ، وقوله : ( أعوذ بالله ) يتناول كلها ، وأما ما يتعلق بالمضار الدنيوية فهو جميع الآلام والأسقام والحرق والغرق والفقر والزمانة والعمى ، وأنواعها تقرب أن تكون غير متناهية فقوله : ( أعوذ بالله ) يتناول الاستعاذة من كل واحد منها .

                                                                                                                                                                                                                                            والحاصل أن قوله : ( أعوذ بالله ) يتناول ثلاثة أقسام وكل واحد منها يجري مجرى ما لا نهاية له :

                                                                                                                                                                                                                                            أولها الجهل ، ولما كانت أقسام المعلومات غير متناهية كانت أنواع الجهالات غير متناهية ، فالعبد يستعيذ بالله منها ، ويدخل في هذه الجملة مذاهب أهل الكفر وأهل البدعة على كثرتها .

                                                                                                                                                                                                                                            وثانيها الفسق ولما كانت أنواع التكاليف كثيرة جدا وكتب الأحلام محتوية عليها كان قوله : ( أعوذ بالله ) متناولا لكلها .

                                                                                                                                                                                                                                            وثالثها المكروهات والآفات والمخافات ، ولما كانت أقسامها وأنواعها غير متناهية كان قوله ( أعوذ بالله ) متناولا لكلها ، ومن أراد أن يحيط بها فليطالع كتب الطب حتى يعرف في ذلك لكل واحد من الأعضاء أنواعا من الآلام والأسقام ، ويجب على العاقل أنه إذا أراد أن يقول : ( أعوذ بالله ) فإنه يستحضر في ذهنه هذه الأجناس الثلاثة ، وتقسيم كل واحد من هذه الأجناس إلى أنواعها وأنواع أنواعها ، ويبالغ في ذلك التقسيم والتفصيل ثم إذا استحضر تلك الأنواع التي لا حد لها ولا عد لها في خياله ثم عرف أن قدرة جميع الخلائق لا تفي بدفع هذه الأقسام على كثرتها فحينئذ يحمله طبعه وعقله على أن يلتجئ إلى القادر على دفع ما لا نهاية له من المقدورات فيقول عند ذلك : " أعوذ بالله القادر على كل المقدورات من جميع أقسام الآفات والمخافات " ولنقتصر على هذا القدر من المباحث في هذا الباب والله الهادي .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية