الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            المسألة السادسة :

                                                                                                                                                                                                                                            علامات الاسم إما أن تكون لفظية أو معنوية ، فاللفظية إما أن تحصل في أول الاسم وهو حرف تعريف ، أو حرف جر ، أو في حشوه كياء التصغير ، وحرف التكسير ، أو في آخره كحرفي التثنية والجمع . وأما المعنوية : فهي كونه موصوفا وصفة وفاعلا ومفعولا ومضافا إليه ومخبرا عنه ومستحقا للإعراب بأصل الوضع .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة السابعة :

                                                                                                                                                                                                                                            ذكروا للفعل تعريفات :

                                                                                                                                                                                                                                            التعريف الأول :

                                                                                                                                                                                                                                            قال سيبويه : إنها أمثلة أخذت من لفظ أحداث الأسماء وينتقض بلفظ الفاعل والمفعول .

                                                                                                                                                                                                                                            التعريف الثاني :

                                                                                                                                                                                                                                            أنه الذي أسند إلى شيء ولا يستند إليه شيء وينتقض بإذا وكيف ، فإن هذه الأسماء يجب إسنادها إلى شيء آخر ، ويمتنع استناد شيء آخر إليها .

                                                                                                                                                                                                                                            التعريف الثالث :

                                                                                                                                                                                                                                            قال الزمخشري : الفعل ما دل على اقتران حدث بزمان وهو ضعيف لوجهين :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : أنه يجب أن يقال " كلمة دالة على اقتران حدث بزمان " وإنما يجب ذكر الكلمة لوجوه :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدها : أنا لو لم نقل بذلك لانتقض بقولنا اقتران حدث بزمان ، فإن مجموع هذه الألفاظ دال على اقتران حدث بزمان مع أن هذا المجموع ليس بفعل ، أما إذا قيدناه بالكلمة اندفع هذا السؤال : لأن مجموع هذه الألفاظ ليس كلمة واحدة .

                                                                                                                                                                                                                                            وثانيها : أنا لو لم نذكر ذلك لانتقض بالخط والعقد والإشارة .

                                                                                                                                                                                                                                            وثالثها : أن الكلمة لما كانت كالجنس القريب لهذه الثلاثة فالجنس القريب واجب الذكر في الحد .

                                                                                                                                                                                                                                            الوجه الثاني : ما نذكره بعد ذلك .

                                                                                                                                                                                                                                            التعريف الرابع :

                                                                                                                                                                                                                                            الفعل كلمة دالة على ثبوت المصدر لشيء غير معين في زمان معين ، وإنما قلنا : كلمة لأنها هي الجنس القريب ، وإنما قلنا : دالة على ثبوت المصدر ولم نقل دالة على ثبوت شيء ؛ لأن المصدر قد يكون أمرا ثابتا ، كقولنا : ضرب وقتل ، وقد يكون عدميا مثل : فني وعدم ، فإن مصدرهما الفناء والعدم ، وإنما قلنا بشيء غير معين لأنا سنقيم الدليل على أن هذا المقدار معتبر ، وإنما قلنا في زمان معين احترازا عن الأسماء .

                                                                                                                                                                                                                                            واعلم أن في هذه القيود مباحثات : القيد الأول هو قولنا " يدل على ثبوت المصدر لشيء " فيه إشكالات :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : أنا إذا قلنا خلق الله العالم ، فقولنا : خلق ، إما أن يدل على ثبوت الخلق لله سبحانه وتعالى أو لا يدل ، فإن لم يدل بطل ذلك القيد وإن دل فذلك الخلق يجب أن يكون مغايرا للمخلوق ، وهو إن كان محدثا افتقر إلى خلق آخر ولزم التسلسل ، وإن كان قديما لزم قدم المخلوق .

                                                                                                                                                                                                                                            والثاني : أنا إذا قلنا وجد الشيء فهل دل ذلك على حصول الوجود لشيء أو لم يدل ؟ فإن لم يدل بطل هذا القيد وإن دل لزم أن يكون الوجود حاصلا لشيء غيره وذلك الغير يجب أن يكون حاصلا في نفسه ؛ لأن ما لا حصول له في نفسه امتنع حصول غيره له . فيلزم أن يكون حصول الوجود له مسبوقا بحصول آخر إلى غير النهاية وهو محال .

                                                                                                                                                                                                                                            والثالث : إذا قلنا عدم الشيء وفني فهذا يقتضي حصول العدم وحصول الفناء لتلك الماهية ، وذلك محال ؛ لأن العدم والفناء نفي محض [ ص: 41 ] فكيف يعقل حصولهما لغيرهما .

                                                                                                                                                                                                                                            والرابع : أن على تقدير أن يكون الوجود زائدا على الماهية فإنه يصدق قولنا " أنه حصل الوجود لهذه الماهية " فيلزم حصول وجود آخر لذلك الوجود إلى غير نهاية ، وهو محال ، وأما على تقدير أن يكون الوجود نفس الماهية ، فإن قولنا حدث الشيء وحصل ، فإنه لا يقتضي حصول وجود لذلك الشيء ، وإلا لزم أن يكون الوجود زائدا على الماهية ، ونحن الآن إنما نتكلم على تقدير أن الوجود نفس الماهية .

                                                                                                                                                                                                                                            وأما القيد الثاني :

                                                                                                                                                                                                                                            وهو قولنا " في زمان معين " ففيه سؤالات :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدها : أنا إذا قلنا " وجد الزمان " أو قلنا " فني الزمان " فهذا يقتضي حصول الزمان في زمان آخر ، ولزم التسلسل ، فإن قالوا : يكفي في صحة هذا الحد كون الزمان واقعا في زمان آخر بحسب الوهم الكاذب ، قلنا : الناس أجمعوا على أن قولنا : حدث الزمان وحصل بعد أن كان معدوما كلام حق ليس فيه باطل ولا كذب ، ولو كان الأمر كما قلتم لزم كونه باطلا وكذبا .

                                                                                                                                                                                                                                            وثانيها : أنا إذا قلنا : كان العالم معدوما في الأزل ، فقولنا : كان فعل ، فلو أشعر ذلك بحصول الزمان لزم حصول الزمان في الأزل ، وهو محال ، فإن قالوا : ذلك الزمان مقدر لا محقق ، قلنا التقدير الذهني إن طابق الخارج عاد السؤال ، وإن لم يطابق كان كذبا ، ولزم فساد الحد .

                                                                                                                                                                                                                                            وثالثها : أنا إذا قلنا : كان الله موجودا في الأزل ، فهذا يقتضي كون الله زمانيا وهو محال .

                                                                                                                                                                                                                                            ورابعها : أنه ينتقض بالأفعال الناقصة ، فإن (كان) الناقصة إما أن تدل على وقوع حدث في زمان أو لا تدل . فإن دلت كان تاما لا ناقصا : لأنه متى دل اللفظ على حصول حدث في زمان معين كان هذا كلاما تاما لا ناقصا ، وإن لم يدل وجب أن لا يكون فعلا .

                                                                                                                                                                                                                                            وخامسها : أنه يبطل بأسماء الأفعال فإنها تدل على ألفاظ دالة على الزمان المعين ، والدال على الدال على الشيء دال على ذلك الشيء ، فهذه الأسماء دالة على الزمان المعين .

                                                                                                                                                                                                                                            وسادسها : أن اسم الفاعل يتناول إما الحال وإما الاستقبال ولا يتناول الماضي ألبتة ، فهو دال على الزمان المعين . والجواب : أما السؤالات الأربعة المذكورة على قولنا " الفعل يدل على ثبوت المصدر لشيء " والثلاثة المذكورة على قولنا " الفعل يدل الزمان " فجوابها أن اللغوي يكفي في علمه تصور المفهوم ، سواء كان حقا أو باطلا .

                                                                                                                                                                                                                                            وأما قوله " يشكل هذا الحد بالأفعال الناقصة " قلنا : الذي أقول به وأذهب إليه أن لفظة كان تامة مطلقا ، إلا أن الاسم الذي يستند إليه لفظ كان قد يكون ماهية مفردة مستقلة بنفسها ، مثل قولنا : كان الشيء ، بمعنى حدث وحصل ، وقد تكون تلك الماهية عبارة عن موصوفية شيء لشيء آخر ، مثل قولنا : كان زيد منطلقا فإن معناه حدوث موصوفية زيد بالانطلاق ، فلفظ كان ههنا معناه أيضا الحدوث والوقوع ، إلا أن هذه الماهية لما كانت من باب النسب ، والنسبة يمتنع ذكرها إلا بعد ذكر المنتسبين ، لا جرم وجب ذكرهما ههنا ، فكما أن قولنا : كان زيد معناه أنه حصل ووجد فكذا قولنا كان زيد منطلقا ، معناه أنه حصلت موصوفية زيد بالانطلاق : وهذا بحث عميق دقيق غفل الأولون عنه .

                                                                                                                                                                                                                                            وقوله : " خامسا يبطل ما ذكرتم بأسماء الأفعال " قلنا : المعتبر في كون اللفظ فعلا دلالته على الزمان ابتداء لا بواسطة .

                                                                                                                                                                                                                                            وقوله : " سادسا اسم الفاعل مختص بالحال والاستقبال " قلنا : لا نسلم بدليل أنهم قالوا : إذا كان بمعنى الماضي لم يعمل عمل الفعل وإذا كان بمعنى الحال فإنه يعمل عمل الفعل .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية