( وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال قال إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم )
قوله تعالى : ( وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال قال إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم )
اعلم أنه لما بين في الآية الأولى أنه أجابهم إلى ما سألوا ، ثم إنهم تولوا فبين أن أول ما تولوا إنكارهم إمرة طالوت ، وذلك لأنهم طلبوا من نبيهم أن يطلب من الله أن يعين لهم ملكا فأجابهم بأن الله قد بعث لهم طالوت ملكا ، قال صاحب " الكشاف " : طالوت اسم أعجمي ، كجالوت وداود ، وإنما امتنع من الصرف لتعريفه وعجمته ، وزعموا أنه من الطول ؛ لما وصف به من البسطة في الجسم ، ووزنه إن كان من الطول فعلوت ، وأصله طولوت ، إلا أن امتناع صرفه يدفع أن يكون منه ، إلا أن يقال : هو اسم عبراني وافق عربيا كما وافق [ ص: 147 ] حطة حنطة ، وعلى هذا التقدير يكون أحد سببيه العجمة لكونه عبرانيا ، ثم إن الله تعالى لما عينه لأن يكون ملكا لهم أظهروا التولي عن طاعته ، والإعراض عن حكمه ، وقالوا : ( أنى يكون له الملك علينا ) واستبعدوا جدا أن يكون هو ملكا عليهم ، قال المفسرون : وسبب هذا الاستبعاد أن النبوة كانت مخصوصة بسبط معين من أسباط بني إسرائيل ، وهو سبط لاوي بن يعقوب ، ومنه موسى وهارون ، وسبط المملكة ، سبط يهوذا ، ومنه داود وسليمان ، وأن طالوت ما كان من أحد هذين السبطين ، بل كان من ولد بنيامين فلهذا السبب أنكروا كونه ملكا لهم ، وزعموا أنهم أحق بالملك منه ، ثم إنهم أكدوا هذه الشبهة بشبهة أخرى ، وهي قولهم : ولم يؤت سعة من المال ، وذلك إشارة إلى أنه فقير ، واختلفوا فقال وهب ، كان دباغا ، وقال السدي : كان مكاريا ، وقال آخرون ، كان سقاء .
فإن قيل : ما الفرق بين الواوين في قوله : ( ونحن أحق ) وفي قوله : ( ولم يؤت ) .
قلنا : الأولى للحال ، والثانية لعطف الجملة على الجملة الواقعة حالا ، والمعنى : كيف يتملك علينا والحال أنه لا يستحق التملك لوجود من هو أحق بالملك ، وأنه فقير ولا بد للملك من مال يعتضد به ، ثم إنه تعالى أجاب عن شبههم بوجوه :
الأول : قوله : ( إن الله اصطفاه عليكم ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : معنى الآية أنه تعالى خصه بالملك والإمرة .
واعلم أن القوم لما كانوا مقرين بنبوة ذلك النبي ، كان إخباره عن الله تعالى أنه جعل طالوت ملكا عليهم حجة قاطعة في ثبوت الملك له ؛ لأن تجويز عليهم السلام يقتضي رفع الوثوق بقولهم ، وذلك يقدح في ثبوت نبوتهم ورسالتهم ، وإذا ثبت صدق المخبر ثبت أن الله تعالى خصه بالملك ، وإذا ثبت ذلك كان ملكا واجب الطاعة وكانت الاعتراضات ساقطة . الكذب على الأنبياء
المسألة الثانية : قوله : (اصطفاه) أي أخذ الملك من غيره صافيا له ، واصطفاه ، واستصفاه بمعنى الاستخلاص ، وهو أن يأخذ الشيء خالصا لنفسه ، وقال الزجاج : إنه مأخوذ من الصفوة ، والأصل فيه اصتفى بالتاء فأبدلت التاء طاء ليسهل النطق بها بعد الصاد ، وكيفما كان الاشتقاق فالمراد ما ذكرناه أنه تعالى خصه بالملك والإمرة ، وعلى هذا الوجه وصف تعالى نفسه بأنه اصطفى الرسل ووصفهم بأنهم : المصطفون الأخيار ، ووصف الرسول بأنه المصطفى .