النكتة الثامنة : أن
nindex.php?page=treesubj&link=30481_29559قلب المؤمن أشرف البقاع فلا تجد ديارا طيبة ولا بساتين عامرة ولا رياضا ناضرة إلا وقلب المؤمن أشرف منها ، بل قلب المؤمن كالمرآة في الصفاء ، بل فوق المرآة ، لأن المرآة إن عرض عليها حجاب لم ير فيها شيء وقلب المؤمن لا يحجبه السماوات السبع والكرسي والعرش كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=10إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ) [ فاطر : 10 ] بل القلب مع جميع هذه الحجب يطالع جلال الربوبية ويحيط علما بالصفات الصمدية ، ومما يدل على أن القلب أشرف البقاع وجوه :
الأول : أنه عليه الصلاة والسلام قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16011128القبر روضة من رياض الجنة " وما ذاك إلا أنه صار مكان عبد صالح ميت فإذا كان القلب سريرا لمعرفة الله وعرشا لإلهيته وجب أن يكون القلب أشرف البقاع .
الثاني : كأن الله تعالى يقول : يا عبدي قلبك بستاني وجنتي بستانك فلما لم تبخل علي ببستانك بل أنزلت معرفتي فيه فكيف أبخل ببستاني عليك وكيف أمنعك منه ؟ .
الثالث : أنه تعالى حكى كيفية نزول العبد في بستان الجنة فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=55في مقعد صدق عند مليك مقتدر ) [ القمر : 55 ] ولم يقل عند المليك فقط ، كأنه قال : أنا في ذلك اليوم أكون مليكا مقتدرا وعبيدي يكونون ملوكا ، إلا أنهم يكونون تحت قدرتي . إذا عرفت هذه المقدمة فنقول : كأنه تعالى يقول : يا عبدي ، إني جعلت جنتي لك ، وأنت جعلت جنتك لي ، لكنك ما أنصفتني ، فهل رأيت جنتي الآن وهل دخلتها ؟ فيقول العبد : لا يا رب فيقول تعالى : وهل دخلت جنتك ؟ فلا بد وأن يقول العبد : نعم يا رب ، فيقول تعالى : إنك بعد ما دخلت جنتي ، ولكن لما قرب دخولك أخرجت الشيطان من جنتي لأجل نزولك وقلت له اخرج منها مذءوما مدحورا فأخرجت عدوك قبل نزولك ، وأما أنت فبعد نزولي في بستانك سبعين سنة كيف يليق بك أن لا تخرج عدوي ولا تطرده ، فعند ذلك يجيب العبد ويقول : إلهي أنت قادر على إخراجه من جنتك وأما أنا فعاجز ضعيف ولا أقدر على إخراجه ، فيقول الله تعالى : العاجز إذا دخل في حماية الملك القاهر صار قويا فادخل في حمايتي حتى تقدر على إخراج العدو من جنة قلبك ، فقل : ( أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ) .
فإن قيل : فإذا كان القلب بستان الله فلماذا لا يخرج الشيطان منه ؟ " قلنا " قال أهل الإشارة : كأنه تعالى يقول للعبد أنت الذي أنزلت سلطان المعرفة في حجرة قلبك ، ومن أراد أن ينزل سلطانا في حجرة نفسه وجب عليه أن يكنس تلك الحجرة وأن ينظفها ، ولا يجب على السلطان تلك الأعمال ، فنظف أنت حجرة قلبك من لوث الوسوسة فقل : ( أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ) .
النُّكْتَةُ الثَّامِنَةُ : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30481_29559قَلْبَ الْمُؤْمِنِ أَشْرَفُ الْبِقَاعِ فَلَا تَجِدُ دِيَارًا طَيِّبَةً وَلَا بَسَاتِينَ عَامِرَةً وَلَا رِيَاضًا نَاضِرَةً إِلَّا وَقَلْبُ الْمُؤْمِنِ أَشْرَفُ مِنْهَا ، بَلْ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ كَالْمِرْآةِ فِي الصَّفَاءِ ، بَلْ فَوْقَ الْمِرْآةِ ، لِأَنَّ الْمِرْآةَ إِنْ عَرَضَ عَلَيْهَا حِجَابٌ لَمْ يُرَ فِيهَا شَيْءٌ وَقَلْبُ الْمُؤْمِنِ لَا يَحْجُبُهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْكُرْسِيُّ وَالْعَرْشُ كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=10إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ) [ فَاطِرٍ : 10 ] بَلِ الْقَلْبُ مَعَ جَمِيعِ هَذِهِ الْحُجُبِ يُطَالِعُ جَلَالَ الرُّبُوبِيَّةِ وَيُحِيطُ عِلْمًا بِالصِّفَاتِ الصَّمَدِيَّةِ ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَلْبَ أَشْرَفُ الْبِقَاعِ وُجُوهٌ :
الْأَوَّلُ : أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16011128الْقَبْرُ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ " وَمَا ذَاكَ إِلَّا أَنَّهُ صَارَ مَكَانَ عَبْدٍ صَالِحٍ مَيِّتٍ فَإِذَا كَانَ الْقَلْبُ سَرِيرًا لِمَعْرِفَةِ اللَّهِ وَعَرْشًا لِإِلَهِيَّتِهِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْقَلْبُ أَشْرَفَ الْبِقَاعِ .
الثَّانِي : كَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : يَا عَبْدِي قَلْبُكَ بُسْتَانِي وَجَنَّتِي بُسْتَانُكَ فَلَمَّا لَمْ تَبْخَلْ عَلَيَّ بِبُسْتَانِكَ بَلْ أَنْزَلْتَ مَعْرِفَتِي فِيهِ فَكَيْفَ أَبْخَلُ بِبُسْتَانِي عَلَيْكَ وَكَيْفَ أَمْنَعُكَ مِنْهُ ؟ .
الثَّالِثُ : أَنَّهُ تَعَالَى حَكَى كَيْفِيَّةَ نُزُولِ الْعَبْدِ فِي بُسْتَانِ الْجَنَّةِ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=55فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ ) [ الْقَمَرِ : 55 ] وَلَمْ يَقُلْ عِنْدَ الْمَلِيكِ فَقَطْ ، كَأَنَّهُ قَالَ : أَنَا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَكُونُ مَلِيكًا مُقْتَدِرًا وَعَبِيدِي يَكُونُونَ مُلُوكًا ، إِلَّا أَنَّهُمْ يَكُونُونَ تَحْتَ قُدْرَتِي . إِذَا عَرَفْتَ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةَ فَنَقُولُ : كَأَنَّهُ تَعَالَى يَقُولُ : يَا عَبْدِي ، إِنِّي جَعَلْتُ جَنَّتِي لَكَ ، وَأَنْتَ جَعَلْتَ جَنَّتَكَ لِي ، لَكِنَّكَ مَا أَنْصَفْتَنِي ، فَهَلْ رَأَيْتَ جَنَّتِي الْآنَ وَهَلْ دَخَلْتَهَا ؟ فَيَقُولُ الْعَبْدُ : لَا يَا رَبِّ فَيَقُولُ تَعَالَى : وَهَلْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ ؟ فَلَا بُدَّ وَأَنْ يَقُولَ الْعَبْدُ : نَعَمْ يَا رَبِّ ، فَيَقُولُ تَعَالَى : إِنَّكَ بَعْدَ مَا دَخَلْتَ جَنَّتِي ، وَلَكِنْ لَمَّا قَرُبَ دُخُولُكَ أَخْرَجْتُ الشَّيْطَانَ مِنْ جَنَّتِي لِأَجْلِ نُزُولِكَ وَقُلْتُ لَهُ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا فَأَخْرَجْتُ عَدُوَّكَ قَبْلَ نُزُولِكَ ، وَأَمَّا أَنْتَ فَبَعْدَ نُزُولِي فِي بُسْتَانِكَ سَبْعِينَ سَنَةً كَيْفَ يَلِيقُ بِكَ أَنْ لَا تُخْرِجَ عَدُوِّي وَلَا تَطْرُدَهُ ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يُجِيبُ الْعَبْدُ وَيَقُولُ : إِلَهِي أَنْتَ قَادِرٌ عَلَى إِخْرَاجِهِ مِنْ جَنَّتِكَ وَأَمَّا أَنَا فَعَاجِزٌ ضَعِيفٌ وَلَا أَقْدِرُ عَلَى إِخْرَاجِهِ ، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى : الْعَاجِزُ إِذَا دَخَلَ فِي حِمَايَةِ الْمَلِكِ الْقَاهِرِ صَارَ قَوِيًّا فَادْخُلْ فِي حِمَايَتِي حَتَّى تَقْدِرَ عَلَى إِخْرَاجِ الْعَدُوِّ مِنْ جَنَّةِ قَلْبِكَ ، فَقُلْ : ( أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ) .
فَإِنْ قِيلَ : فَإِذَا كَانَ الْقَلْبُ بُسْتَانَ اللَّهِ فَلِمَاذَا لَا يَخْرُجُ الشَّيْطَانُ مِنْهُ ؟ " قُلْنَا " قَالَ أَهْلُ الْإِشَارَةِ : كَأَنَّهُ تَعَالَى يَقُولُ لِلْعَبْدِ أَنْتَ الَّذِي أَنْزَلْتَ سُلْطَانَ الْمَعْرِفَةِ فِي حُجْرَةِ قَلْبِكَ ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُنْزِلَ سُلْطَانًا فِي حُجْرَةِ نَفْسِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَكْنُسَ تِلْكَ الْحُجْرَةَ وَأَنْ يُنَظِّفَهَا ، وَلَا يَجِبُ عَلَى السُّلْطَانِ تِلْكَ الْأَعْمَالُ ، فَنَظِّفْ أَنْتَ حُجْرَةَ قَلْبِكَ مِنْ لَوْثِ الْوَسْوَسَةِ فَقُلْ : ( أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ) .