النكتة الحادية عشرة : إنما قال : ( أعوذ بالله ) ولم يذكر اسما آخر ، بل ذكر قوله : ( الله ) لأن هذا الاسم أبلغ في كونه زاجرا عن المعاصي من سائر الأسماء والصفات لأن الإله هو المستحق للعبادة ، ولا يكون كذلك إلا إذا كان قادرا عليما حكيما فقوله : ( أعوذ بالله ) جار مجرى أن يقول أعوذ بالقادر العليم الحكيم ، وهذه الصفات هي النهاية في الزجر ، وذلك لأن السارق يعلم قدرة السلطان وقد يسرق ماله ؛ لأن السارق عالم بأن ذلك السلطان وإن كان قادرا إلا أنه غير عالم ، فالقدرة وحدها غير كافية في الزجر ، بل لا بد معها من العلم ، وأيضا فالقدرة والعلم لا يكفيان في حصول الزجر ؛ لأن الملك إذا رأى منكرا إلا أنه لا ينهى عن المنكر لم يكن حضوره مانعا منه ، أما إذا حصلت القدرة وحصل العلم وحصلت الحكمة المانعة من القبائح فههنا يحصل الزجر الكامل ، الذي لا يرضى بشيء من المنكرات فلا جرم يحصل الزجر التام . فإذا قال العبد ( أعوذ بالله ) فكأنه قال أعوذ بالقادر العليم الحكيم
النكتة الثانية عشرة : لما قال العبد : ( أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ) دل ذلك على أنه لا يرضى بأن يجاور الشيطان وإنما لم يرض بذلك ؛ لأن الشيطان عاص ، وعصيانه لا يضر هذا المسلم في الحقيقة ، فإذا كان العبد لا يرضى بجوار العاصي فبأن لا يرضى بجوار عين المعصية أولى .