المسألة الأولى : البصريون يسمونه باء الإلصاق ، والكوفيون يسمونه باء الآلة ، ويسميه قوم باء التضمين ، واعلم أن حاصل الكلام أن هذه الباء متعلقة بفعل لا محالة ؛ والفائدة فيه أنه لا يمكن إلصاق ذلك الفعل بنفسه إلا بواسطة الشيء الذي دخل عليه هذا الباء فهو باء للإلصاق لكونه سببا للإلصاق ، وباء الآلة لكونه داخلا على الشيء الذي هو آلة .
المسألة الثانية : اتفقوا على أنه لا بد فيه من إضمار فعل ، فإنك إذا قلت " بالقلم " لم يكن ذلك كلاما مفيدا ، بل لا بد وأن تقول : " كتبت بالقلم " وذلك يدل على أن هذا الحرف متعلق بمضمر ، ونظيره قوله : " بالله لأفعلن " ومعناه أحلف بالله لأفعلن ، فحذف أحلف لدلالة الكلام عليه ، فكذا ههنا ، ويقول الرجل لمن يستأذنه في سفره : على اسم الله أي : سر على اسم الله .
المسألة الثالثة : لما ثبت أنه لا بد من الإضمار فنقول : الحذف في هذا المقام أفصح ، والسبب فيه أنه لو وقع التصريح بذلك المضمر لاختص قوله : " أعوذ بالله " بذلك الحكم المعين أما عند الحذف فإنه يذهب الوهم كل مذهب ، ويقع في الخاطر أن ، وإلا عند الابتداء باسم الله ، ونظيره أنه قال : " الله أكبر " ولم يقل فإنه أكبر من الشيء الفلاني لأجل ما ذكرناه من إفادة العموم فكذا هنا . جميع المهمات لا تتم إلا بواسطة الاستعاذة بالله
المسألة الرابعة : قال : لم يكن لهذه الباء عمل إلا الكسر فكسرت لهذا السبب ، فإن قيل : كاف التشبيه ليس لها عمل إلا الكسر ثم إنها ليست مكسورة بل مفتوحة ، قلنا : كاف التشبيه قائم مقام الاسم ، وهو في العمل ضعيف ، أما الحرف فلا وجود له إلا بحسب هذا الأثر ، فكان فيه كلاما قويا . سيبويه
المسألة الخامسة : الباء قد تكون أصلية كقوله تعالى : ( قل ما كنت بدعا من الرسل ) [ الأحقاف : 9 ] وقد تكون زائدة وهي على أربعة أوجه :
أحدها : للإلصاق وهي كقوله : ( أعوذ بالله ) وقوله : ( بسم الله ) .
وثانيها : [ ص: 87 ] للتبعيض عند - رضي الله عنه - . الشافعي
وثالثها : لتأكيد النفي كقوله تعالى ( وما ربك بظلام للعبيد ) [ فصلت : 46 ] .
ورابعها : للتعدية كقوله تعالى : ( ذهب الله بنورهم ) [ البقرة : 17 ] أي أذهب نورهم ، وخامسها الباء بمعنى " في " قال :
حل بأعدائك ما حل بي
أي : حل في أعدائك ، وأما باء القسم ، وهو قوله : " بالله " فهو من جنس باء الإلصاق .
المسألة السادسة : قال بعضهم : وامسحوا برءوسكم ) [ المائدة : 6 ] زائدة والتقدير : وامسحوا رءوسكم وقال الباء في قوله : ( - رضي الله عنه - إنها تفيد التبعيض ، حجة الشافعي - رضي الله عنه - وجوه : الشافعي
الأول أن هذه الباء إما أن تكون لغوا أو مفيدا .
والأول باطل ؛ لأن الحكم بأن كلام رب العالمين وأحكم الحاكمين لغو في غاية البعد ، وذلك لأن المقصود من الكلام إظهار الفائدة فحمله على اللغو على خلاف الأصل ، فثبت أنه يفيد فائدة زائدة ، وكل من قال بذلك قال إن تلك الفائدة هي التبعيض .
الثاني أن الفرق بين قوله : " مسحت بيدي المنديل " وبين قوله : " مسحت يدي بالمنديل " يكفي في صحة صدقه ما إذا مسح يده بجزء من أجزاء المنديل .
الثالث : أن بعض أهل اللغة قال : الباء قد تكون للتبعيض ، وأنكره بعضهم ، لكن رواية الإثبات راجحة فثبت أن الباء تفيد التبعيض ، ومقدار ذلك البعض غير مذكور فوجب أن تفيد أي مقدار يسمى بعضا ، فوجب ، وهذا هو قول الاكتفاء بمسح أقل جزء من الرأس والإشكال عليه أنه تعالى قال : ( الشافعي فامسحوا بوجوهكم وأيديكم ) [ النساء : 43 ] فوجب أن يكون مسح أقل جزء من أجزاء الوجه واليد كافيا في التيمم ، وعند لا بد فيه من الإتمام ، وله أن يجيب فيقول : مقتضى هذا النص الاكتفاء في التيمم بأقل جزء من الأجزاء إلا أن عند الشافعي الزيادة على النص ليست نسخا فأوجبنا الإتمام لسائر الدلائل ، وفي مسح الرأس لم يوجد دليل يدل على وجوب الإتمام ؛ فاكتفينا بالقدر المذكور في هذا النص . الشافعي