ثم قال تعالى : ( ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائما ) ، وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : في لفظ " القائم " وجهان : منهم من حمله على حقيقته ، قال السدي : يعني إلا ما دمت قائما على رأسه بالاجتماع معه والملازمة له ، والمعنى : أنه إنما يكون معترفا بما دفعت إليه ما دمت قائما على رأسه ، فإن أنظرت وأخرت أنكر ، ومنهم من حمل لفظ " القائم " على مجازه ثم ذكروا فيه وجوها :
الأول : قال : المراد من هذا القيام الإلحاح والخصومة والتقاضي والمطالبة ، قال ابن عباس : أصله أن المطالب للشيء يقوم فيه والتارك له يقعد عنه ، دليل قوله تعالى : " ابن قتيبة أمة قائمة " أي عاملة بأمر الله غير تاركة ، ثم قيل : لكل من واظب على مطالبة أمر أنه قام به وإن لم يكن ثم قيام .
الثاني : قال أبو علي الفارسي : القيام في اللغة بمعنى الدوام والثبات ، وذكرنا ذلك في قوله تعالى : ( يقيمون الصلاة ) ، ومنه قوله ( دينا قيما ) أي دائما ثابتا لا ينسخ ، فمعنى قوله : ( إلا ما دمت عليه قائما ) أي دائما ثابتا في مطالبتك إياه بذلك المال .
[ ص: 90 ] المسألة الثانية : يدخل تحت قوله : ( من إن تأمنه بقنطار ) و ( بدينار ) العين والدين ؛ لأن ، وليس في الآية ما يدل على التعيين والمنقول عن الإنسان قد يأتمن غيره على الوديعة وعلى المبايعة وعلى المقارضة أنه حمله على المبايعة ، فقال : منهم من تبايعه بثمن القنطار فيؤده إليك ، ومنهم من تبايعه بثمن الدينار فلا يؤده إليك ، ونقلنا أيضا أن الآية نزلت في أن رجلا أودع مالا كثيرا عند ابن عباس ، ومالا قليلا عند عبد الله بن سلام فنحاص بن عازوراء ، فخان هذا اليهودي في القليل ، أدى الأمانة ، فثبت أن اللفظ محتمل لكل الأقسام . وعبد الله بن سلام