المسألة الأولى : في نصب ( يوم ) وجهان . الأول : أنه نصب على الظرف ، والتقدير : ولهم عذاب عظيم في هذا اليوم ، وعلى هذا التقدير ففيه فائدتان . إحداهما : أن ذلك العذاب في هذا اليوم ، والأخرى أن من حكم هذا اليوم أن تبيض فيه وجوه وتسود وجوه . والثاني : أنه منصوب بإضمار ( اذكر ) .
المسألة الثانية : هذه الآية لها نظائر منها قوله تعالى : ( ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة ) [ الزمر : 60 ] ومنها قوله : ( ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة ) [ يونس : 26 ] ومنها قوله : ( وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة ووجوه يومئذ عليها غبرة ترهقها قترة ) [ عبس : 39 ] ومنها قوله : ( وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ووجوه يومئذ باسرة تظن أن يفعل بها فاقرة ) [ القيامة : 22 ] ومنها قوله : ( تعرف في وجوههم نضرة النعيم ) [ المطففين : 24 ] ومنها قوله : ( يعرف المجرمون بسيماهم ) [ الرحمن : 41 ] .
إذا عرفت هذا فنقول : في هذا للمفسرين قولان . أحدهما : أن البياض مجاز عن الفرح والسرور ، والسواد عن الغم ، وهذا مجاز مستعمل ، قال تعالى : ( البياض والسواد والغبرة والقترة والنضرة وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم ) [ النحل : 58 ] ويقال : لفلان عندي يد بيضاء ، أي جلية سارة ، ولما سلم الحسن بن علي رضي الله عنه الأمر لمعاوية قال له بعضهم : يا مسود وجوه المؤمنين . ولبعضهم في الشيب :
[ ص: 149 ]
يا بياض القرون سودت وجهي عند بيض الوجوه سود القرون
فلعمري لأخفينك جهدي
عن عياني وعن عيان العيون
بسواد فيه بياض لوجهي
وسواد لوجهك الملعون
وتقول العرب لمن نال بغيته وفاز بمطلوبه : ابيض وجهه ومعناه الاستبشار والتهلل وعند التهنئة بالسرور يقولون : الحمد لله الذي بيض وجهك ، ويقال لمن وصل إليه مكروه : اربد وجهه واغبر لونه وتبدلت صورته ، فعلى هذا معنى الآية أن بمعنى استبشر بنعم الله وفضله ، وعلى ضد ذلك المؤمن يرد يوم القيامة على ما قدمت يداه فإن كان ذلك من الحسنات ابيض وجهه بمعنى شدة الحزن والغم وهذا قول إذا رأى الكافر أعماله القبيحة محصاة اسود وجهه أبي مسلم الأصفهاني .
والقول الثاني : إن هذا ، وذلك لأن اللفظ حقيقة فيهما ، ولا دليل يوجب ترك الحقيقة ، فوجب المصير إليه ، قلت : البياض والسواد يحصلان في وجوه المؤمنين والكافرين ولأبي مسلم أن يقول : الدليل دل على ما قلناه ، وذلك لأنه تعالى قال : ( وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة ووجوه يومئذ عليها غبرة ترهقها قترة ) [ عبس : 39 ] فجعل الغبرة والقترة في مقابلة الضحك والاستبشار فلو لم يكن المراد بالغبرة والقترة ما ذكرنا من المجاز لما صح جعله مقابلا ، فعلمنا أن المراد من هذه الغبرة والقترة الغم والحزن حتى يصح هذا التقابل ، ثم قال القائلون بهذا القول : الحكمة في ذلك أن فزادوا في تعظيمه فيحصل له الفرح بذلك من وجهين . أحدهما : أن السعيد يفرح بأن يعلم قومه أنه من أهل السعادة ، قال تعالى مخبرا عنهم ( أهل الموقف إذا رأوا البياض في وجه إنسان عرفوا أنه من أهل الثواب قال ياليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين ) [ يس : 27 ] . الثاني : أنهم إذا عرفوا ذلك خصوه بمزيد التعظيم فثبت أن ، وبهذا الطريق يكون ظهور البياض في وجه المكلف سبب لمزيد سروره في الآخرة ، فهذا وجه الحكمة في الآخرة ، وأما في الدنيا فالمكلف حين يكون في الدنيا إذا عرف حصول هذه الحالة في الآخرة صار ذلك مرغبا له في الطاعات وترك المحرمات لكي يكون في الآخرة من قبيل من يبيض وجهه لا من قبيل من يسود وجهه ، فهذا تقرير هذين القولين . ظهور السواد في وجه الكفار سببا لمزيد غمهم في الآخرة