الباب الرابع 
في البحث عن الأسماء الدالة على الصفات الحقيقية 
قد عرفت أن هذا البحث ينقسم إلى ثلاثة أقسام : 
الأول : الأسماء الدالة على الوجود وفيه مسائل : 
المسألة الأولى : أطبق الأكثرون على أنه يجوز تسمية الله تعالى باسم الشيء  ونقل عن  جهم بن صفوان  أن ذلك غير جائز ، أما حجة الجمهور فوجوه : 
الحجة الأولى : قوله تعالى ( قل أي شيء أكبر شهادة قل الله    ) [ الأنعام : 19 ] وهذا يدل على أنه يجوز تسمية الله باسم الشيء فإن قيل : لو كان الكلام مقصورا على قوله " قل الله    " لكان دليلكم حسنا لكن ليس الأمر كذلك بل المذكور هو قوله تعالى : ( قل الله شهيد بيني وبينكم    ) [ الأنعام : 19 ] وهذا كلام مستقل بنفسه ، ولا تعلق له بما قبله ، وحينئذ لا يلزم أن يكون الله تعالى مسمى باسم الشيء ، قلنا : لما قال " أي شيء أكبر شهادة    " ثم قال : " قل الله شهيد بيني وبينكم    " وجب أن تكون هذه الجملة جارية مجرى الجواب عن قوله " أي شيء أكبر شهادة    " وحينئذ يلزم المقصود . 
الحجة الثانية : قوله تعالى : ( كل شيء هالك إلا وجهه    ) [ القصص : 88 ] والمراد بوجهه ذاته ولو لم تكن ذاته شيئا لما جاز استثناؤه عن قوله : " كل شيء هالك    " وذلك يدل على أن الله تعالى مسمى بالشيء . 
الحجة الثالثة : قوله عليه السلام في خبر  عمران بن الحصين    : " كان الله ولم يكن شيء غيره   " وهذا يدل على أن اسم الشيء يقع على الله تعالى . 
الحجة الرابعة : روى عبد الله الأنصاري  في الكتاب الذي سماه بالفاروق عن  عائشة    - رضي الله عنها - أنها سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " ما من شيء أغير من الله عز وجل   " . 
 [ ص: 102 ] الحجة الخامسة : أن الشيء عبارة عما يصح أن يعلم ويخبر عنه ، وذات الله تعالى كذلك ، فيكون شيئا . 
واحتج جهم  بوجوه : 
الحجة الأولى : قوله تعالى : ( الله خالق كل شيء    ) [ الرعد : 16 ] وكذلك قوله ( وهو على كل شيء قدير    ) [ المائدة : 120 ] فهذا يقتضي أن يكون كل شيء مخلوقا ومقدورا ، والله تعالى ليس بمخلوق ولا مقدور ، ينتج أن الله سبحانه وتعالى ليس بشيء . فإن قالوا إن قوله تعالى : " الله خالق كل شيء    " وقوله : " وهو على كل شيء قدير    " عام دخله التخصيص ، قلنا الجواب عنه من وجهين : 
الأول : أن التخصيص خلاف الأصل ، والدلائل اللفظية يكفي في تقريرها هذا القدر . 
الثاني أن الأصل في جواز التخصيص هو أن أهل العرف يقيمون الأكثر مقام الكل ، فلهذا السبب جوزوا دخول التخصيص في العموميات ، إلا أن إجراء الأكثر مجرى الكل إنما يجوز في الصورة التي يكون الخارج عن الحكم حقيرا قليل القدر فيجعل وجوده كعدمه ، ويحكم على الباقي بحكم الكل ، فثبت أن التخصيص إنما يجوز في الصورة التي تكون حقيرة ساقطة الدرجة . 
إذا عرفت هذا فنقول : إن بتقدير أن يكون الله تعالى مسمى بالشيء كان أعظم الأشياء وأجلها هو الله تعالى ، فامتنع أن يحصل فيه جواز التخصيص ، فوجب القول بأن ادعاء هذا التخصيص محال . 
الحجة الثانية : قوله تعالى : ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير    ) [ الشورى : 11 ] حكم الله تعالى بأن مثل مثله ليس بشيء ، ولا شك أن كل شيء مثل لمثل نفسه ، وثبت بهذه الآية أن مثل مثله ليس بشيء ينتج أنه تعالى غير مسمى بالشيء ، فإن قالوا إن الكاف زائدة ، قلنا هذا الكلام معناه أن هذا الحرف من كلام الله تعالى لغو وعبث وباطل ، ومعلوم أن هذا الكلام هو الباطل ، ومتى قلنا إن هذا الحرف ليس بباطل صارت الحجة التي ذكرناها في غاية القوة والكمال . 
الحجة الثالثة : لفظ الشيء لا يفيد صفة من صفات الجلال والعظمة والمدح والثناء ، وأسماء الله تعالى يجب كونها كذلك ينتج أن لفظ الشيء ليس اسما لله تعالى . 
أما قولنا إن اسم الشيء لا يفيد المدح والجلال فظاهر ، وذلك لأن المفهوم من لفظ الشيء قدر مشترك بين الذرة الحقيرة وبين أشرف الأشياء ، وإذا كان كذلك كان المفهوم من لفظ الشيء حاصلا في أخس الأشياء وذلك يدل على أن اسم الشيء لا يفيد صفة المدح والجلال ، وأما قولنا : أن أسماء الله يجب أن تكون دالة على صفة المدح والجلال  ، فالدليل عليه قوله تعالى ( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه    ) [ الأعراف : 180 ] والاستدلال بالآية أن يكون الأسماء حسنة لا معنى له إلا كونها دالة على الصفات الحسنة الرفيعة الجليلة ، فإذا لم يدل الاسم على هذا المعنى لم يكن الاسم حسنا ثم إنه تعالى أمرنا بأن ندعوه بهذه الأسماء ثم قال بعد ذلك : ( وذروا الذين يلحدون في أسمائه    ) [ الأعراف : 180 ] وهذا كالتنبيه على أن من دعاه بغير تلك الأسماء الحسنة فقد ألحد في أسماء الله ، فتصير هذه الآية دالة دلالة قوية على أنه ليس للعبد أن يدعو الله إلا بالأسماء الحسنى الدالة على صفات الجلال والمدح ، وإذا ثبت هاتان المقدمتان فقد حصل المطلوب . 
الحجة الرابعة : أنه لم ينقل عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا عن أحد من الصحابة أنه خاطب الله تعالى بقوله يا شيء ، وكيف يقال ذلك وهذا اللفظ في غاية الحقارة ؟ فكيف يجوز للعبد خطاب الله بهذا الاسم ؟ بل نقل   [ ص: 103 ] عنهم أنهم كانوا يقولون : يا منشئ الأشياء ، يا منشئ الأرض والسماء . 
واعلم أن من الناس من يظن أن هذا البحث واقع في المعنى ، وهذا في غاية البعد ، فإنه لا نزاع في أن الله تعالى موجود وذات وحقيقة ، إنما النزاع في أنه هل يجوز إطلاق هذا اللفظ عليه ، فهذا نزاع في مجرد اللفظ لا في المعنى ، ولا يجري بسببه تكفير ولا تفسيق ، فليكن الإنسان عالما بهذه الدقيقة حتى لا يقع في الغلط . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					