المسألة الثالثة : ذكروا في سبب النزول وجوها :
الأول : قال : مجاهد : يا رسول الله ، يغزو [ ص: 67 ] الرجال ولا نغزو ، ولهم من الميراث ضعف ما لنا ، فليتنا كنا رجالا فنزلت الآية أم سلمة . قالت
الثاني : قال السدي : : نرجو أن نفضل على النساء في الآخرة كما فضلنا في الميراث ، وقال النساء : نرجو أن يكون الوزر علينا نصف ما على الرجال كما في الميراث ، فنزلت الآية . لما نزلت آية المواريث قال الرجال
الثالث : لما جعل الله الميراث للذكر مثل حظ الأنثيين قالت النساء : نحن أحوج لأنا ضعفاء ، وهم أقدر على طلب المعاش ، فنزلت الآية .
الرابع : آدم وأمنا حواء . فما السبب في أن الله يذكر الرجال ولا يذكرنا ، فنزلت الآية . فقالت : وقد سبقنا الرجال بالجهاد فما لنا ؟ فقال - صلى الله عليه وسلم - : " إن للحامل منكن أجر الصائم القائم ، فإذا ضربها الطلق لم يدر أحد ما لها من الأجر ، فإذا أرضعت كان لها بكل مصة أجر إحياء نفس " . أتت واحدة من النساء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقالت : رب الرجال والنساء واحد ، وأنت الرسول إلينا وإليهم ، وأبونا
ثم قال تعالى : ( للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن ) .
واعلم أنه يمكن أن يكون المراد من هذه الآية ما يتعلق بأحوال الدنيا ، وأن يكون ما يتعلق بأحوال الآخرة ، وأن يكون ما يتعلق بهما .
أما الاحتمال الأول : ففيه وجوه :
الأول : أن يكون المراد لكل فريق نصيب مما اكتسب من نعيم الدنيا ، فينبغي أن يرضى بما قسم الله له .
الثاني : كل نصيب مقدر من الميراث على ما حكم الله به فوجب أن يرضى به وأن يترك الاعتراض ، والاكتساب على هذا القول بمعنى الإصابة والإحراز .
الثالث : كان أهل الجاهلية لا يورثون النساء والصبيان ، فأبطل الله ذلك بهذه الآية ، وبين أن لكل واحد منهم نصيبا ، ذكرا كان أو أنثى ، صغيرا كان أو كبيرا .
وأما الاحتمال الثاني : وهو أن يكون المراد بهذه الآية : ما يتعلق بأحوال الآخرة ، ففيه وجوه :
الأول : المراد لكل أحد قدر من الثواب يستحقه بكرم الله ولطفه ، فلا تتمنوا خلاف ذلك .
الثاني : لكل أحد جزاء مما اكتسب من الطاعات ، فلا ينبغي أن يضيعه بسبب الحسد المذموم ، وتقديره : لا تضيع مالك وتتمن ما لغيرك .
الثالث : للرجال نصيب مما اكتسبوا بسبب قيامهم بالنفقة على النساء ، وللنساء نصيب مما اكتسبن ، يريد حفظ فروجهن وطاعة أزواجهن ، وقيامها بمصالح البيت من الطبخ والخبز وحفظ الثياب ومصالح المعاش ، فالنصيب على هذا التقدير هو الثواب .
وأما الاحتمال الثالث : فهو أن يكون المراد من الآية : كل هذه الوجوه ؛ لأن هذا اللفظ محتمل ، ولا منافاة .