وجوابه : أن معنى : ( فيم كنتم ) التوبيخ بأنهم لم يكونوا في شيء من الدين حيث ، فقالوا : كنا مستضعفين اعتذارا عما وبخوا به ، واعتلالا بأنهم ما كانوا قادرين على المهاجرة ، ثم إن الملائكة لم يقبلوا منهم هذا العذر ، بل ردوه عليهم فقالوا : ( قدروا على المهاجرة ولم يهاجروا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها ) . أرادوا أنكم كنتم قادرين على الخروج من مكة إلى بعض البلاد التي لا تمنعون فيها من إظهار دينكم ، فبقيتم بين الكفار لا للعجز عن مفارقتهم ، بل مع القدرة على هذه المفارقة ، فلا جرم ذكر الله تعالى وعيدهم ، فقال : ( فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا ) .
ثم استثنى تعالى فقال : ( إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ) ونظيره قول الشاعر :
ولقد أمر على اللئيم يسبني
ويجوز أن يكون ( لا يستطيعون ) في موضع الحال ، والمعنى : لا يقدرون على حيلة ولا نفقة ، أو كان بهم مرض ، أو كانوا تحت قهر قاهر يمنعهم من تلك المهاجرة .ثم قال : ( ولا يهتدون سبيلا ) أي : لا يعرفون الطريق ، ولا يجدون من يدلهم على الطريق . روي أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث بهذه الآية إلى مسلمي مكة ، فقال جندب بن ضمرة لبنيه : احملوني فإني لست من المستضعفين ، ولا أني لا أهتدي الطريق ، والله لا أبيت الليلة بمكة . فحملوه على سرير متوجها إلى المدينة ، وكان شيخا كبيرا ، فمات في الطريق .
فإن قيل : كيف أدخل الولدان في جملة المستثنين من أهل الوعيد ، فإن الاستثناء إنما يحسن لو كانوا [ ص: 12 ] مستحقين للوعيد على بعض الوجوه ؟ .
قلنا : سقوط الوعيد إذا كان بسبب العجز ، والعجز تارة يحصل بسبب عدم الأهبة وتارة بسبب الصبا ، فلا جرم حسن هذا إذا أريد بالولدان الأطفال ، ولا يجوز أن يراد المراهقون منهم الذين كملت عقولهم لتوجه التكليف عليهم فيما بينهم وبين الله تعالى ، وإن أريد العبيد والإماء البالغون فلا سؤال .