المسألة الأربعون : أثبت جمهور الفقهاء جواز المسح على الخفين    . وأطبقت الشيعة  والخوارج  على إنكاره ، واحتجوا بأن ظاهر قوله تعالى : ( وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين    ) يقتضي إما غسل الرجلين أو مسحهما ، والمسح على الخفين ليس مسحا للرجلين ولا غسلا لهما ، فوجب أن لا يجوز بحكم نص هذه الآية ، ثم قالوا : إن القائلين بجواز المسح على الخفين إنما يعولون على الخبر ، لكن الرجوع إلى القرآن أولى من الرجوع إلى هذا الخبر ، ويدل عليه وجوه : 
الأول : أن نسخ القرآن بخبر الواحد  لا يجوز . 
والثاني : أن هذه الآية في سورة المائدة ، وأجمع المفسرون على أن هذه السورة لا منسوخ فيها البتة إلا قوله   [ ص: 129 ] تعالى : ( ياأيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله    ) فإن بعضهم قال : هذه الآية منسوخة ، وإذا كان كذلك امتنع القول بأن وجوب غسل الرجلين منسوخ . 
والثالث : أن خبر المسح على الخفين بتقدير أنه كان متقدما على نزول الآية كان خبر الواحد منسوخا بالقرآن ، ولو كان بالعكس كان خبر الواحد ناسخا للقرآن ، ولا شك أن الأول أولى لوجوه : 
الأول : أن ترجيح القرآن المتواتر على خبر الواحد أولى من العكس    . 
وثانيها : أن العمل بالآية أقرب إلى الاحتياط . 
وثالثها : أنه قد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إذا روي لكم عني حديث فاعرضوه على كتاب الله فإن وافقه فاقبلوه وإلا فردوه   " وذلك يقتضي تقديم القرآن على الخبر    . 
ورابعها : أن قصة معاذ  تقتضي تقديم القرآن على الخبر . 
الوجه الرابع في بيان ضعف هذا الخبر : أن العلماء اختلفوا فيه ، فعن  عائشة  رضي الله عنها أنها قالت : لأن تقطع قدماي أحب إلي من أن أمسح على الخفين ، وعن  ابن عباس  رضي الله عنهما أنه قال : لأن أمسح على جلد حمار أحب إلي من أن أمسح على الخفين ، وأما مالك  فإحدى الروايتين عنه أنه أنكر جواز المسح على الخفين ، ولا نزاع أنه كان في علم الحديث كالشمس الطالعة ، فلولا أنه عرف فيه ضعفا وإلا لما قال ذلك ، والرواية الثانية عن مالك  أنه ما أباح المسح على الخفين للمقيم  ، وأباحه للمسافر مهما شاء من غير تقدير فيه . 
وأما  الشافعي   وأبو حنيفة  وأكثر الفقهاء فإنهم جوزوه للمسافر ثلاثة أيام بلياليها من وقت الحدث بعد اللبس . وقال  الحسن البصري    : ابتداؤه من وقت لبس الخفين ، وقال الأوزاعي  وأحمد    : يعتبر وقت المسح بعد الحدث : قالوا : فهذا الاختلاف الشديد بين الفقهاء يدل على أن الخبر ما بلغ مبلغ الظهور والشهرة ، وإذا كان كذلك وجب القول بأن هذه الأقوال لما تعارضت تساقطت ، وعند ذلك يجب الرجوع إلى ظاهر كتاب الله تعالى . 
الخامس : أن الحاجة إلى معرفة جواز المسح على الخفين حاجة عامة في حق كل المكلفين ، فلو كان ذلك مشروعا لعرفه الكل ، ولبلغ مبلغ التواتر ، ولما لم يكن الأمر كذلك ظهر ضعفه ، فهذا جملة كلام من أنكر المسح على الخفين . 
وأما الفقهاء فقالوا : ظهر عن بعض الصحابة القول به ولم يظهر من الباقين إنكار ، فكان ذلك إجماعا من الصحابة ، فهذا أقوى ما يقال فيه . 
وقال  الحسن البصري    : حدثني سبعون من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم أنه مسح على الخفين ، وأما إنكار  ابن عباس  رضي الله عنهما فروي أن عكرمة  روى ذلك عنه ، فلما سئل  ابن عباس  عنه فقال : كذب علي . وقال عطاء    : كان ابن عمر  يخالف الناس في المسح على الخفين لكنه لم يمت حتى وافقهم ، وأما  عائشة  رضي الله عنها فروي أن  شريح بن هانئ  قال : سألتها عن مسح الخفين فقالت : اذهب إلى علي  فاسأله فإنه كان مع الرسول صلى الله عليه وسلم في أسفاره ، قال : فسألته فقال امسح ، وهذا يدل على أن  عائشة  تركت ذلك الإنكار . 
				
						
						
