المسألة الخامسة والثلاثون :
على ما في الأذهان لا على ما في الأعيان ، ولهذا السبب يقال : الألفاظ تدل على المعاني ؛ لأن المعاني هي التي عناها العاني ، وهي أمور ذهنية ، والدليل على ما ذكرناه من وجهين : للألفاظ دلالات
الأول : أنا إذا رأينا جسما من البعد وظنناه صخرة قلنا : إنه صخرة ، فإذا قربنا منه وشاهدنا حركته وظنناه طيرا قلنا إنه طير ، فإذا ازداد القرب علمنا أنه إنسان فقلنا : إنه إنسان ، فاختلاف الأسماء عند اختلاف التصورات الذهنية يدل على أن مدلول الألفاظ هو الصور الذهنية لا الأعيان الخارجية .
الثاني : أن اللفظ لو دل على الموجود الخارجي لكان إذا قال إنسان : العالم قديم ، وقال آخر : العالم حادث لزم كون العالم قديما حادثا معا ، وهو محال ، أما إذا قلنا : إنها دالة على المعاني الذهنية كان هذان القولان دالين على حصول هذين الحكمين من هذين الإنسانين وذلك لا يتناقض .