المسألة الثامنة : اختلفوا في قوله تعالى : ( لا تلهيهم تجارة ) فقال بعضهم نفى كونهم تجارا وباعة أصلا ، وقال بعضهم بل أثبتهم تجارا وباعة وبين أنهم مع ذلك لا يشغلهم عنها شاغل من ضروب منافع التجارات ، وهذا قول الأكثرين . قال الحسن أما والله إن كانوا ليتجرون ، ولكن إذا جاءت فرائض الله لم يلههم عنها شيء فقاموا بالصلاة والزكاة . وعن سالم نظر إلى قوم من أهل السوق تركوا بياعاتهم وذهبوا إلى الصلاة فقال : هم الذين قال تعالى فيهم : ( لا تلهيهم تجارة ) ، وعن ابن مسعود مثله ، واعلم أن هذا القول أولى من الأول ، لأنه لا يقال إن فلانا لا تلهيه التجارة عن كيت وكيت إلا وهو تاجر ، وإن احتمل الوجه الأول . وههنا سؤالات :
السؤال الأول : لما قال : ( لا تلهيهم تجارة ) دخل فيه البيع فلم أعاد ذكر البيع ؟ قلنا الجواب عنه من وجوه :
الأول : أن التجارة جنس يدخل تحته أنواع الشراء والبيع إلا أنه سبحانه خص البيع بالذكر لأنه في الإلهاء أدخل ، لأن الربح الحاصل في البيع يقين ناجز ، والربح الحاصل في الشراء شك مستقبل .
الثاني : أن البيع يقتضي تبديل العرض بالنقد ، والشراء بالعكس والرغبة في تحصيل النقد أكثر من العكس .
الثالث : قال الفراء : التجارة لأهل الجلب ، يقال : اتجر فلان في كذا إذا جلبه من غير بلده ، والبيع ما باعه على يديه .
[ ص: 6 ] السؤال الثاني : لم خص الرجال بالذكر ؟ والجواب : لأن النساء لسن من أهل التجارات أو الجماعات .