المسألة التاسعة : اختلفوا في ، فقال قوم : المراد الثناء على الله تعالى والدعوات ، وقال آخرون : المراد الصلوات ، فإن قيل فما معنى قوله : ( المراد بذكر الله تعالى وإقام الصلاة ) ؟ قلنا عنه جوابان :
أحدهما : قال رضي الله عنهما : ابن عباس . المراد بإقام الصلاة إقامتها لمواقيتها
والثاني : يجوز أن يكون قوله : ( وإقام الصلاة ) تفسيرا لذكر الله فهم يذكرون الله قبل الصلاة وفي الصلاة .
المسألة العاشرة : قد ذكرنا في أول تفسير سورة البقرة في قوله : ( ويقيمون الصلاة ) أن إقام الصلاة هو القيام بحقها على شروطها ، والوجه في حذف الهاء ما قاله الزجاج ، يقال أقمت الصلاة إقامة وكان الأصل إقواما ، ولكن قلبت الواو ألفا فاجتمع ألفان فحذفت إحداهما لالتقاء الساكنين فبقي : أقمت الصلاة إقاما ، فأدخلت الهاء عوضا من المحذوف ، وقامت الإضافة ههنا في التعويض مقام الهاء المحذوفة ، قال : وهذا إجماع من النحويين .
المسألة الحادية عشرة : اختلفوا في الصلاة فمنهم من قال : هي الفرائض ، ومنهم من أدخل فيه النقل على ما حكيناه في صلاة الضحى عن ، والأول أقرب لأنه إلى التعريف أقرب وكذلك القول في الزكاة أن المراد المفروض لأنه المعروف في الشرع المسمى بذلك ، وقال ابن عباس رضي الله عنهما : المراد من الزكاة طاعة الله تعالى والإخلاص ، وكذا في قوله : ( ابن عباس وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة ) [مريم : 55] وقوله : ( ما زكا منكم من أحد ) [النور : 21] وقوله : ( تطهرهم وتزكيهم بها ) [التوبة : 103] وهذا ضعيف لما تقدم ، ولأنه تعالى علق الزكاة بالإيتاء ، وهذا لا يحمل إلا على ما يعطى من حقوق المال .
المسألة الثانية عشرة : أنه سبحانه بين أن هؤلاء الرجال وإن تعبدوا بذكر الله والطاعات فإنهم مع ذلك موصوفون بالوجل والخوف فقال : ( يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار ) وذلك الخوف إنما كان لعلمهم بأنهم ما عبدوا الله حق عبادته . واختلفوا في على أقوال : المراد بتقلب القلوب والأبصار
فالقول الأول أن القلوب تضطرب من الهول والفزع وتشخص الأبصار لقوله : ( وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر ) [الأحزاب : 10] .
الثاني : أنها تتغير أحوالها فتفقه القلوب بعد أن كانت مطبوعا عليها لا تفقه ، وتبصر الأبصار بعد أن كانت لا تبصر ، فكأنهم انقلبوا من الشك إلى الظن ، ومن الظن إلى اليقين ، ومن اليقين إلى المعاينة ، لقوله : ( وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون ) [الزمر : 47] وقوله : ( لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك ) [ ق : 22 ] .
الثالث : أن القلوب تتقلب في ذلك اليوم طمعا في النجاة وحذرا من الهلاك ، والأبصار تنقلب من أي ناحية يؤمر بهم ، أمن ناحية اليمين أم من ناحية الشمال ؟ ومن أي ناحية يعطون كتابهم أمن قبل الأيمان أم من قبل الشمائل ؟ والمعتزلة لا يرضون بهذا التأويل ، فإنهم قالوا : إن أهل الثواب لا خوف عليهم البتة في ذلك اليوم ، وأهل العقاب لا يرجون العفو ، لكنا بينا فساد هذا المذهب غير مرة .
الرابع : أن القلوب تزول عن أماكنها فتبلغ الحناجر ، والأبصار تصير زرقا ، قال الضحاك : يحشر الكافر وبصره حديد وتزرق عيناه ثم يعمى ، ويتقلب القلب من الخوف حيث لا يجد مخلصا حتى يقع في الحنجرة فهو قوله : ( إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ) [غافر : 18] .
الخامس : قال الجبائي : المراد بتقلب القلوب والأبصار تغير هيئاتها بسبب [ ص: 7 ] ما ينالها من العذاب ، فتكون مرة بهيئة ما أنضج بالنار ، ومرة بهيئة ما احترق ، قال : ويجوز أن يريد به تقلبها على جمر جهنم ، وهو معنى قوله تعالى : ( ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ) [الأنعام : 110] .