الركن الثاني : واعلم أن هذا ورد في القرآن والأخبار على وجهين : أحدهما أن يقال : ( أعوذ بالله ) والثاني أن يقال : " المستعاذ به " أما قوله أعوذ بالله فبيانه إنما يتم بالبحث عن لفظة الله وسيأتي ذلك في تفسير بسم الله وأما قوله : " أعوذ بكلمات الله " ، فاعلم أن المراد بكلمات الله هو قوله تعالى : ( أعوذ بكلمات الله التامات إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون ) [ النحل : 40 ] والمراد من قوله : " كن " نفاذ قدرته في الممكنات ، وسريان مشيئته في الكائنات ، بحيث يمتنع أن يعرض له عائق ومانع ، ولا شك أنه لا تحسن الاستعاذة بالله إلا لكونه موصوفا بتلك القدرة القاهرة والمشيئة النافذة ، وأيضا فالجسمانيات لا يكون حدوثها إلا على سبيل الحركة والخروج من القوة إلى الفعل يسيرا يسيرا ، وأما الروحانيات فإنما يحصل تكونها وخروجها إلى الفعل دفعة ، ومتى كان الأمر كذلك كان حدوثها شبيها بحدوث الحرف الذي لا يوجد إلا في الآن الذي لا ينقسم ، فلهذه المشابهة سميت نفاذ قدرته بالكلمة ، وأيضا ثبت في علم المعقولات أن عالم الأرواح مستول على عالم الأجسام ، وإنما هي المدبرات لأمور هذا العالم كما قال تعالى : ( فالمدبرات أمرا ) [ النازعات : 5 ] فقوله : " " استعاذة من الأرواح البشرية بالأرواح العالية المقدسة الطاهرة الطيبة في دفع شرور الأرواح الخبيثة الظلمانية الكدرة ، أعوذ بكلمات الله التامات تلك الأرواح العالية الطاهرة . فالمراد بكلمات الله التامات
ثم ههنا دقيقة وهي أن قوله : " " إنما يحسن ذكره إذا كان قد بقي في نظره التفات إلى غير الله ، وأما إذا تغلغل في بحر التوحيد ، وتوغل في قعر الحقائق وصار بحيث لا يرى في الوجود أحدا إلا الله تعالى ، لم يستعذ إلا بالله ، ولم يلتجئ إلا إلى الله ، ولم يعول إلا على الله فلا جرم يقول : " أعوذ بالله " و " أعوذ من الله بالله " كما قال عليه السلام : " أعوذ بكلمات الله التامات " واعلم أن في هذا المقام يكون العبد مشتغلا أيضا بغير الله ؛ لأن الاستعاذة لا بد وأن تكون لطلب أو لهرب وذلك اشتغال بغير الله تعالى فإذا ترقى العبد عن هذا المقام وفني عن نفسه وفني أيضا عن فنائه عن نفسه فههنا يترقى عن مقام قوله أعوذ بالله ويصير مستغرقا في نور قوله : ( وأعوذ بك منك بسم الله ) ألا ترى أنه عليه السلام لما قال : " " ترقى عن هذا المقام فقال : " وأعوذ بك منك " . أنت كما أثنيت على نفسك