( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب )
قوله تعالى : ( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب )
في النظم وجهان :
الأول : أنه تعالى قال في الآية السالفة : ( والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ) والمراد أنه يهدي من يشاء إلى الحق وطلب الجنة ، فبين في هذه الآية أن ذلك الطلب لا يتم ولا يكمل إلا باحتمال الشدائد في التكليف فقال : ( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم ) الآية .
الثاني : أنه في الآية السالفة لما بين أنه هداهم لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه بين في هذه الآية أنهم بعد تلك الهداية احتملوا الشدائد في إقامة الحق وصبروا على البلوى ، فكذا أنتم يا أصحاب محمد لا تستحقون الفضيلة في الدين إلا بتحمل هذه المحن .
وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : استقصينا الكلام في لفظ ( أم ) في تفسير قوله تعالى : [ ص: 17 ] ( أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت ) [البقرة : 133] والذي نريده ههنا أن نقول : ( أم ) استفهام متوسط كما أن ( هل ) استفهام سابق ، فيجوز أن يقول : هل عندك رجل ، أعندك رجل ؟ ابتداء ، ولا يجوز أن يقال : أم عندك رجل ، فأما إذا كان متوسطا جاز سواء كان مسبوقا باستفهام آخر أو لا يكون ، أما إذا كان مسبوقا باستفهام آخر فهو كقولك : أنت رجل لا تنصف ، أفعن جهل تفعل هذا أم لك سلطان ؟ وأما الذي لا يكون مسبوقا بالاستفهام فهو كقوله : ( الم تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين أم يقولون افتراه ) [السجدة : 3] وهذا القسم يكون في تقدير القسم الأول ، والتقدير : أفيؤمنون بهذا أم يقولون افتراه ؟ فكذا تقدير هذه الآية : فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه ، فصبروا على استهزاء قومهم بهم ، أفتسلكون سبيلهم ، أم تحسبون أن تدخلوا الجنة من غير سلوك سبيلهم ؟ هذا ما لخصه القفال رحمه الله ، والله أعلم .