الحكم الخامس
في اليتامى
( ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح ولو شاء الله لأعنتكم إن الله عزيز حكيم )
قوله تعالى : ( ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح ولو شاء الله لأعنتكم إن الله عزيز حكيم )
في الآية مسائل :
المسألة الأولى : أن أهل الجاهلية كانوا قد اعتادوا ، وربما تزوجوا باليتيمة طمعا في مالها أو يزوجها من ابن له ؛ لئلا يخرج مالها من يده ، ثم إن الله تعالى أنزل قوله : ( الانتفاع بأموال اليتامى إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا ) [النساء : 10] وأنزل في الآيات : ( وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء ) [النساء : 3] وقوله : ( ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن ) [ ص: 44 ] ( والمستضعفين من الولدان وأن تقوموا لليتامى بالقسط وما تفعلوا من خير فإن الله كان به عليما ) [النساء : 127] وقوله : ( ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن ) [الأنعام : 152] فعند ذلك ترك القوم مخالطة اليتامى ، والمقاربة من أموالهم ، والقيام بأمورهم ، فعند ذلك اختلت مصالح اليتامى وساءت معيشتهم ، فثقل ذلك على الناس ، وبقوا متحيرين إن خالطوهم وتولوا أمر أموالهم ، استعدوا للوعيد الشديد ، وإن تركوا وأعرضوا عنهم ، اختلت معيشة اليتامى ، فتحير القوم عند ذلك .
ثم ههنا يحتمل أنهم سألوا الرسول عن هذه الواقعة ، ويحتمل أن السؤال كان في قلبهم ، وأنهم تمنوا أن يبين الله لهم كيفية الحال في هذا الباب ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، ويروى أنه لما نزلت تلك الآيات اعتزلوا أموال اليتامى ، واجتنبوا مخالطتهم في كل شيء ، حتى كان يوضع لليتيم طعام فيفضل منه شيء فيتركونه ولا يأكلونه حتى يفسد ، وكان صاحب اليتيم يفرد له منزلا وطعاما وشرابا فعظم ذلك على ضعفة المسلمين ، فقال : يا رسول الله ، ما لكلنا منازل تسكنها الأيتام ولا كلنا يجد طعاما وشرابا يفردهما لليتيم . فنزلت هذه الآية . عبد الله بن رواحة