" ولمس المرأة بشهوة "
ظاهر المذهب أن ، وإن كان لغير شهوة مثل أن يقبلها رحمة لها أو يعالجها وهي مريضة أو تقع بشرته عليها سهوا وما أشبه ذلك لم ينقض ، وعنه ينقض اللمس مطلقا لعموم قوله ( الرجل متى وقع شيء من بشرته على بشرة أنثى بشهوة انتقض وضوءه أو لامستم النساء ) وقراءة حمزة والكسائي ( أو لمستم النساء ) وحقيقة الملامسة التقاء البشرتين لا سيما اللمس فإنه باليد أغلب كما قال :
لمست بكفي كفه أطلب الغنى
.ولهذا قال عمر رضي الله عنهما " القبلة من اللمس وفيها الوضوء " وقال وابن مسعود : " قبلة الرجل امرأته وجسها بيده [ ص: 314 ] من الملامسة " ولأنه مس ينقض فلم تعتبر فيه الشهوة ، كمس الذكر ولأن مس النساء في الجملة مظنة خروج الخارج ، وأسباب الطهارة مما نيط الحكم فيها بالمظان ، بدليل الإيلاج والنوم ومس الذكر ، وعنه أن مس النساء لا ينقض بحال . عبد الله بن عمر
لما روى عن حبيب بن أبي ثابت عروة عن رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم : " عائشة " رواه كان يقبل بعض نسائه ثم يصلي ولا يتوضأ أبو داود والترمذي ، ورواه وابن ماجه إبراهيم التيمي عن أخرجه عائشة أبو داود ، وقد احتج به والنسائي أحمد في رواية حنبل ، وقد تكلم هو وغيره في الطريق الأولى بأن عروة المذكور هو عروة المزني كذلك قال " ما " حدثنا سفيان الثوري حبيب إلا عن عروة المزني ، وعروة هذا لم يدرك ، وإن كان عائشة فإن حبيبا لم يدركه ، قال عروة بن الزبير : " لا تظنوا أن إسحاق بن راهويه حبيبا لقي عروة " وفي الثاني : بأن إبراهيم [ ص: 315 ] التيمي لا يصح سماعه من : وجواب هذا أن عامة ما في الإسناد نوع إرسال وإذا أرسل الحديث من وجهين مختلفين اعتضد أحدهما بالآخر ، لا سيما وقد رواه عائشة بإسناد جيد عن البزار عن عطاء رضي الله عنهما مثله . عائشة
ورواه الإمام أحمد عن عن عمرو بن شعيب زينب السهمية عن ، ولأنه مس فلم ينتقض عائشة ، والملامسة في الآية المراد بها الجماع كذلك قد فسرها علي كمس البهيمة ، قال وابن عباس اختلف الموالي والعرب في الملامسة في الآية فقال سعيد بن جبير والعرب [ ص: 316 ] هي الجماع ، وقال عبيد بن عمير والموالي هي ما دون الجماع ، فدخلت على عطاء فذكرت ذلك فقال : أيهما كنت قلت في الموالي قال : " غلبت الموالي إن الله حيي كريم يكني عما يشاء وإنه كنى بالملامسة عن الجماع " وفي لفظ عنه قال : " اللمس والمباشرة والإفضاء والرفث في كتاب الله الجماع " . ابن عباس
ولأن اللمس كالمس وقد أريد به الجماع في قوله ( وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن ) والملامسة لا تكون إلا من اثنين ، فيجب حملها على الجماع ، والصحيح الأول لأن الله تعالى أطلق ذكر مس النساء والمفهوم من هذا في عرف أهل اللغة والشرع هو المس المقصود من النساء وهو اللمس للتلذذ وقضاء الشهوة فإن اللمس لغرض آخر لا يفهم من تخصيص النساء بالمس ، إذ لا فرق بينهن وبين غيرهن في ذلك المس واللمس ، وإن كان عامدا لكن نسبته إلى النساء أوحت تخصيصه بالمقصود من مسهن كما خص في الطفلة وذوات المحارم ، ويدل على ذلك أن كل مس ومباشرة وإفضاء ذكر في القرآن فالمراد به ما كان مع الشهوة ، وجميع الأحكام بمسهن مثل تحريم ذلك على المحرم والمعتكف ووجوب الفدية في الإحرام وانتشار حرمة المصاهرة وحصول الرجعة عند من يقول بذلك إنما تثبت في مس الشهوة ولا يقال : مس النساء في الجملة هو مظنة أن يكون لشهوة فأقيم مقامه لأننا نقول : إن [ ص: 317 ] الحكمة إذا كانت ظاهرة منضبطة نيط الحكم بها دون مظنتها وهي هنا كذلك بدليل سائر الأحكام ، ولأن اللمس مع الشهوة هو المظنة لخروج المذي والمني فيقام مقامه كالنوم مع الريح بخلاف الخالي من الشهوة ، فإنه كنوم الجالس يسيرا ولو كان المراد به الجماع خاصة لاكتفي بذكره في قوله ( وإن كنتم جنبا فاطهروا ) ولو أعيد باسمه الخاص وهو الجنابة ليتميز به عن غيره وليعم الجنابة بالوطء وبالاختلاف ، وجميع المواضع المذكورة في القرآن فإن المراد بها المس لشهوة مطلقا من الجماع وما دونه كقوله ( ولا تباشروهن ) وقوله ( أحل لكم ليلة الصيام الرفث ) وقوله ( فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ) .
وقوله ( لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن ) وقوله تعالى ( وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن ) وحينئذ فيكون قوله ( أو لامستم النساء ) يعم نوعي الحدث الأكبر والأصغر ، كما قال ، ويفيد التيمم لها ، ويدل على الوضوء مع الشهوة ابن عمر " لم يكن المس ينقض الوضوء لما أمر بذلك ثم بعد ذلك فرض الغسل وذلك زيادة على ما وجب أولا لا رفع له ، وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم " أمر المجامع إذا لم يمن أن يتوضأ كما يتوضأ للصلاة ويغسل ذكره " حين كان " لا ماء إلا من الماء - رضي الله عنه - قال : معاذ بن جبل وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل ) فقال معاذ أهي خاصة أم للمسلمين عامة قال : ( بل هي للمسلمين عامة ) رواه جاء رجل فقال : يا رسول الله ما تقول في رجل أصاب من امرأة لا تحل له فلم يدع شيئا يصيب الرجل من المرأة إلا قد أصابه منها إلا أنه لم يجامعها ؟ فقال : ( توضأ وضؤا حسنا ، ثم قم فصل قال : فأنزل الله هذه [ ص: 318 ] الآية ( أحمد . والدارقطني
فأمر بالوضوء مع المباشرة دون الفرج وحديث المتقدم إن صح محمول على أن اللمس كان يراد إكراما ورحمة وعطفا أو أنه قبل أن يؤمر بالوضوء من مس النساء كما قلنا في مس الذكر ، ويدل على أن مجرد اللمس لا ينقض ما روت عائشة رضي الله عنها قالت : " عائشة " رواه كنت أنام بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجلاي في قبلته فإذا أراد أن يسجد غمز رجلي فقبضتها وإذا قام بسطتها ، والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح البخاري وأبو داود ، وفي لفظ والنسائي " للنسائي " . إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليوتر وإني لمعترضة بين يديه اعتراض الجنازة حتى إذا أراد أن يوتر مسني برجله
وروى الحسن قال : ( ) رواه كان رسول صلى الله عليه وسلم جالسا في مسجده في الصلاة فقبض على قدم عائشة غير متلذذ إسحاق بن راهويه ، ومتى كان اللمس لشهوة فلا فرق بين الأجنبية وذوات [ ص: 319 ] المحرم والكبيرة والصغيرة التي قد تشتهى ، فأما التي لا تشتهى أصلا فلا ينقض لمسها لشهوة ، ولمس الميتة كلمس الحية عند القاضي كما أن جماعها سواء في إيجاب الغسل . والنسائي
وقال الشريف أبو جعفر وابن عقيل : لا ينقض لأنها ليست محلا للشهوة فلا ينقض لمسها كالشعر ومس البهيمة بخلاف الجماع فإنه لا فرق بين محل ومحل وبين الشهوة وعدمها بدليل ما لو استدخلت المرأة ذكر نائم في أصح الروايتين ؛ لأن لمسها أدعى إلى الحدث لفرط شهوتها ، والأخرى لا ينقض لأن النص إنما جاء في لمس الرجل المفضي إلى المذي بخلاف المرأة وإذا قلنا بنقض وضوء اللامس فهل ينتقض وضوء الملموس على روايتين : فإذا قلنا ينقض اعتبرنا الشهوة في المشهور كما نعتبرها في اللامس حتى ينتقض وضوءه إذا وجدت الشهوة فيه دون اللامس ، ولا ينتقض إذا لم توجد فيه وإن وجدت في اللامس ، ولمس المرأة الرجل ينقض وضوءها كلمسه لها لأن اللمس لم يوجد ومجرد الشهوة لا تنقض الوضوء كما لو وجدت في لمس البهيمة أو بنظر أو بفكر ، ولا ينقض اللمس من وراء حائل وإن كان لشهوة كما لا ينقض لمسها بالشعر والظفر والسن ولا مس الرجل الرجل وإن كان أمردا ولا مس المرأة المرأة في المشهور المنصوص لأنه ليس محلا للشهوة في الأصل ، ويتخرج أن ينقض إذا كان لشهوة لأنه لمس آدمي لشهوة ، وقال القاضي ينقض لمس الرجل الرجل والمرأة المرأة ؛ لأنه مباشرة لآدمي حقيقة بخلاف الشعر والظفر . ولا ينقض لمس شعر المرأة ولا ظفرها ولا سنها