[ ص: 435 ] الفصل السابع :
إذا ، لما خاف من شدة البرد فإنه يتيمم ويصلي قال : ( احتلمت في ليلة باردة شديدة البرد في غزوة ذات السلاسل فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك ، فتيممت ثم صليت بأصحابي صلاة الصبح ، فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرت ذلك له فقال : يا عمرو بن العاص عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب ؟ قلت : ذكرت قول الله تعالى : ( ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما ) . فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يقل شيئا " رواه روى أحمد ، ، وأبو داود وذكره والدارقطني تعليقا . البخاري
وعن ابن عباس رواه أن رجلا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم احتلم في برد شديد فاستفتى فأفتي أن يغتسل ، فمات ، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " قتلوه قتلهم الله ؛ إنما شفاء العي السؤال " حرب ، ولأنه إذا خاف المرض باستعمال الماء فهو كما لو خاف زيادته وأولى ، والمخوف هنا إما التلف وإما المرض على ما تقدم .
فأما نفي التألم بالبرد فلا أثر له ؛ لأن زمن ذلك يسير ، وإسباغ الوضوء على المكاره مما يكفر الله به الخطايا ، ومتى أمكنه تسخين الماء واشتراؤه بثمن المثل كما تقدم ، أو الدخول إلى الحمام بالأجرة ، لزمه ذلك ؛ لأن قدرته على الماء الحار كقدرة المسافر على الماء المطلق ، وكذلك إن وجد من يقرضه أو يبيعه أو [ ص: 436 ] يكريه بثمن في الذمة وله ما يوفيه بعد خروج الوقت ؛ لأن زمن ذلك يسير بخلاف المسافر في أحد الوجهين ؛ لأن المدة تطول ويخاف تلف المال وبقاء الذمة مشغولة ، وكذلك إن أمكنه أن يغتسل عضوا عضوا وكلما غسل شيئا ستره ، وإذا صلى " بالتيمم " لخشية البرد فلا إعادة في ظاهر المذهب .
وعنه يعيد لأنه عذر نادر غير متصل ، وعنه يعيد في الحضر دون السفر ؛ لأن الحضر مظنة دفع البرد بالأكنان والمياه الفاترة ، فالندرة فيه محققة ، بخلاف السفر فإنه يكثر فيه البرد خصوصا في البلاد الباردة ، وحديثا عمرو حجة على الإعادة ، فإنه لم يعد ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالإعادة ولا لأحد صلى خلفه وقد أقره على تعليله بخشية الضرر ، وهي علة تجمع المقيم والمسافر ، ولأنه فعل العبادة بحسب قدرته فلم يلزمه الإعادة كالمريض والمسافر ، والفرق بين العذر النادر والغالب فيما رجع إلى الإخلال بصفات العبادة لا دليل عليه ، وإنما فرق بين الصوم والصلاة في الحيض لأن الحائض تركت الصوم بالكلية ، وهؤلاء قد فعلوا المفروض في الوقت ، فإذا وجب قضاؤه لزمهم فعل العبادة مرتين ، ولا أصل لذلك يقاس عليه ، ثم إن الحائض يجب عليها صوم واحد في وقت القضاء ، وهؤلاء يجب عليهم القضاء مع الفريضة في الوقت الثاني ، فهم بقضاء الحائض للصلاة أشبه ، ومتى أوجبنا عليه الإعادة فالثانية في فرضه ، والأولى نافلة ، ذكره القاضي بخلاف ما لو لم تجب عليه الإعادة ، كالمعادة مع إمام الحي ، فإن الفرض قد سقط هناك بالأولى ، وإنما يكون حكم الأولى نافلة عند براءة ذمته بالإعادة ، ويتوجه أن يكون كل منهما فرضا ، وإنما وجب عليه صلاتان لاشتمال كل واحدة على نوع من النقص ينجبر بالأخرى . وابن عباس