مسألة :
" ثم يمسح رأسه مع الأذنين يبدأ بيده من مقدمه ، ثم يمرهما إلى قفاه ثم يردهما إلى مقدمه " .
لقوله : " وامسحوا برءوسكم " والسنة في مسحه ما روى عبد الله بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " " . مسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر ، بدأ بمقدم رأسه ، ثم ذهب بهما إلى قفاه ، ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه
رواه الجماعة ، قيل لأحمد : ؟ " فأقبل من له شعر إلى منكبيه كيف يمسح في الوضوء أحمد بيديه على رأسه مرة ، وقال هكذا " ؛ كراهية أن ينتشر شعره يعني أنه يمسح إلى قفاه ولا يرد يديه .
قال أحمد حديث علي هكذا ، يعني أنه من خاف انتفاش شعره لم يرد يديه ؛ سواء كان رجلا أو امرأة وعنه أن المرأة تبدأ بمؤخر رأسها ثم ترد [ ص: 189 ] يديها إلى مقدمه ثم تعيدهما إلى مؤخره ؛ لما روت أن النبي صلى الله عليه وسلم " الربيع بنت معوذ " ، رواه مسح برأسه مرتين بدأ بمؤخره ثم بمقدمه وبأذنيه كلتيهما ظهورهما وبطونهما أبو داود ، وقال : حديث حسن ، وعنه أنها تمسح كما روت والترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم " الربيع بنت معوذ " رواه توضأ عندها فمسح الرأس كله من فوق الشعر كل ناحية لمنصب الشعر لا يحرك الشعر ، عن هيئته . أبو داود
وعنه تضع يدها على وسط الرأس ثم تجرها إلى مقدمه ثم ترفعها وتضعها حيث بدأت ثم تحركها إلى مؤخره بمسحة واحدة ، محافظة على أن تقبل وتدبر وعلى مسحة لا تغير شعرها ؛ لأن بقاء شعرها على هيئته مقصود ، وكيف ما مسح الرجل والمرأة جاز . وأما الأذنان فهما من الرأس بحيث يجزئ مسحهما بمائه كسائر أجزاء الرأس بلا خلاف في المذهب ، لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " " رواه الأذنان من الرأس أحمد . وابن ماجه
[ ص: 190 ] وروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " الصنابحي " وذكر الحديث إلى أن قال : " إذا توضأ العبد المؤمن فتمضمض خرجت الخطايا من فيه " رواه فإذا مسح برأسه خرجت الخطايا من رأسه حتى تخرج من أذنيه . وهذا يدل على دخولهما في مسمى الرأس ؛ ولأن الذين وصفوا النسائي ذكروا أنه مسح رأسه وأذنيه ، قال وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم : بغرفة واحدة ولم يذكروا أنه أخذ لهما ماء جديدا . قال ابن عباس ابن المنذر : " مسحهما بماء جديد غير موجود في الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم " .
ولأن الله سبحانه إنما أمر بمسح الرأس وفعله صلى الله عليه وسلم خرج امتثالا للأمر وتفسيرا للمجمل فعلم أن الرأس المذكور في القرآن هو ما مسحه صلى الله عليه وسلم يريد بذلك أنهما عضوان متصلان بالرأس إيصال خلقة فكانا منه كالنزعتين ؛ وذلك لأن البياض الذي فوق الأذن هو من الرأس ؛ لأن الموضحة يثبت حكمها فيه ، وهي لا تكون إلا في رأس أو وجه وليس من [ ص: 191 ] الوجه فتكون من الرأس ، لكن هل الأفضل أن يمسحها بماء الرأس أو يأخذ لهما ماء جديدا ؟ على روايتين ؛ إحداهما أن الأفضل مسحهما بماء جديد ؛ لأن رضي الله عنهما " كان يأخذ الماء بأصبعيه لأذنيه " رواه عبد الله بن عمر مالك في الموطأ ؛ ولأنهما لا يشبهان الرأس خلقة ولا يدخلان في مطلقه ؛ فأفردا عنه بماء وإن كانا منه كداخل الفم والأنف ، ومعنى هذا ألا يمسحا إلا بماء جديد ( وذكر القاضي عبد الوهاب وابن حامد أنهما يمسحان بماء جديد بعد أن يمسحا بماء الرأس وليس بشيء ) ؛ لأن فيه تفضيلا لهما على الرأس ؛ ولأن ذلك خلاف المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه . والثانية : مسحهما بماء الرأس أفضل ؛ لأن الذين وصفوا وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكروا أنه مسح رأسه وأذنيه بماء واحد ، وما نقل خلاف ذلك محمول على أن اليد لم يبق فيها بلل ، وحينئذ يستحب لهما ، ويفارق الفم والأنف ؛ لأنهما يغسلان قبله ولا [ ص: 192 ] يكفيهما مع الوجه ماء واحد ، والسنة أخذ ماء جديد ؛ لأن ذلك منقول عن النبي صلى الله عليه وسلم . مسح ظاهرهما وباطنهما وأن يدخل سباحتيه في صماخهما ويمسح بإبهاميه ظاهرهما
ولا يستحب بل السنة مسحة واحدة يقبل بها ويدبر في أصح الروايتين ؛ لأن تكرار مسح الرأس والأذنين عبد الله بن زيد لما حكى وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : مسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر مرة واحدة مع ذكره وكذلك عامة الذين وصفوا وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل التثليث في غسل جميع الأعضاء عثمان وعلي وابن عباس وعائشة رضي الله عنهم في رواياتهم الصحاح ذكروا أنه مسح رأسه مرة واحدة ، منهم من صرح بذلك ومنهم من ذكر العدد ثلاثا ثلاثا ولم يذكروا في الرأس عددا . وعبد الله بن أبي أوفى
ولأنه مسح فلم يستحب تكراره كالتيمم ، ومسح الخف ، والرواية الأخرى يستحب مسحه ثلاثا أيضا لما روى مسلم عن عثمان . وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثا ثلاثا في سننه أن أبو داود عثمان حين حكى [ ص: 193 ] وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم " قال : " ولكن الصحيح في حديث ومسح رأسه ثلاثا عثمان أنه مسح رأسه مرة واحدة ، كذلك قال وغيره ، ويستحب أبو داود في إحدى الروايتين ؛ لما روى الإمام مسح العنق أحمد في المسند عن عن أبيه عن جده أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم " طلحة بن مصرف " . يمسح رأسه حتى بلغ القذال وما يليه من مقدم العنق
[ ص: 194 ] وحكى الإمام أحمد عن أنه مسح وقال " هو موضع الغل " . أبي هريرة
والثانية : لا يستحب وهو أظهر ؛ لأن الذين وصفوا وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يذكروه ، ولو كان مسنونا لتكرر منه فنقلوه ؛ ولأنه ليس من الرأس حقيقة ولا حكما ، والحديث قد طعن فيه سفيان بن عيينة وأحمد ، وغيرهما ، ولعله قد فعل ذلك مرة لغرض ؛ إذ لو داوم عليه لنقله مثل عثمان وعلي .