[ ص: 200 ] مسألة :
" الرأس كله " .
هذا هو المشهور في المذهب وعنه يجزئ مسح أكثره ؛ لأن مسح جميعه فيه مشقة ، وقد خفف فيه بالمسح وبالمرة الواحدة فكذلك بالقدر ، وعنه قدر الناصية لما روى ، قال : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم " أنس " رواه يتوضأ وعليه عمامة قطرية فأدخل يده تحت العمامة فمسح مقدم رأسه ولم ينقض العمامة . وعلى هذا فله أن يمسح قدر الناصية من أي موضع شاء في أشهر الوجهين وفي الآخر تتعين الناصية وبكل حال لا يجزئ الأذنان . أبو داود
[ ص: 201 ] والصحيح الأول ؛ لقوله فامسحوا برءوسكم أمر بمسح الرأس كما أمر بمسح الوجه في آية التيمم ، فإذا أوجب استيعاب الوجه بالتراب فاستيعاب الرأس بالماء أولى ؛ ولأن الرأس اسم للجميع فلا يكون ممتثلا إلا بمسح جميعه ، كما لا يكون ممتثلا إلا بغسل جميع الوجه ؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم ، وفعله مبين للآية كما تقدم ، وما نقل عنه أنه مسح على مقدم رأسه فهو مع العمامة كما جاء مفسرا في حديث توضأ فمسح جميع رأسه وذلك جائز . المغيرة بن شعبة
وادعاء أن الباء إذا دخلت على فعل يتعدى بنفسه تفيد التبعيض لا أصل له فإنه لم ينقله موثوق به ، والاستعمال لا يدل عليه بل قد أنكره المعتمدون من علماء اللسان ، ثم إن قيل : إنها تفيده في كل موضع فهذا منقوض بآية التيمم ، وبقوله : ( تنبت بالدهن ) ، وقرأت بالبقرة في كل ركعة وتزوجت بالمرأة ، وحبست صدره بصدره ، وعلمت بهذا الأمر ، وما شاء الله من الكلام وإن ادعى أنها تفيده في بعض المواضع ، فذلك لا من نفس الباء بل من موضع آخر .
كما قد يفاد ذلك مع عدم الباء ، ثم من أين علم أن هذا الموضع من جملة تلك المواضع على أنه لا يصح في موضع واحد ، ولا فرق من هذه الجهة بين قولك : أخذت الزمام وأخذت به ، وأما قوله ( عينا يشرب بها عباد الله ) وقوله " شربن بماء البحر " فإنه لم يرد التبعيض ، فإنه لا معنى له هنا وإنما [ ص: 202 ] الشرب -والله أعلم- يضمن معنى الري ، فكأنه قال يروى بها عباد الله ، ثم الأحاديث التي ذكرناها أكثرها يقال فيه مسح برأسه وأذنيه ، فأقبل بهما وأدبر فيذكر استيعاب المسح مع إدخال الباء .
قالوا : ويقال مسحت ببعض رأسي ومسحت بجميع رأسي ، ولو كانت للتبعيض لتناقض ، وإنما دخلت -والله أعلم- لأن معناها إلصاق الفعل به ، والمسح هو إلصاق ماسح بممسوح ، ويضمن معنى الإلصاق فكأنه قيل : ألصقوا برؤوسكم فيفهم أن هناك شيئا ملصق بالرأس وهو الماء بخلاف ما لو قيل : امسحوا رؤوسكم ، فإنه لا يدل على الماء ; لأنه يقال : مسحت رأس اليتيم ومسحت الحجر ، وليس هناك شيء يلصق بالممسوح في غير اليد .
ولربما توهم أن مجرد باليد كاف ، ولهذا -والله أعلم- دخلت الباء في آية التيمم لتبين وجوب إلصاق التراب بالأيدي والوجوه ، ولا يجب مسح الأذن ، وإن قلنا بالاستيعاب في أشهر الروايتين ; لأنها منه حكما لا حقيقة بدليل أنها تضاف تارة إليه وتارة إلى الوجه ، بقوله : سجد وجهي للذي خلقه وشق سمعه وبصره ، وفي الأخرى يجب لأنهما من الرأس ، وبكل حال لا يجب مسح ما استتر بالغضاريف كما استتر بالشعر من الرأس . مسح الرأس
وإذا مسح بشرة رأسه من تحت الشعر دون أعلى الشعر لم يجزئه كما لو غسل باطن اللحية دون ظاهرها ، وكذلك لو مسح المسترسل محلولا أو معقودا على أعلى الرأس وإن قلنا يجزئ مسح البعض ، ولو خضب رأسه أو طينه لم يجز المسح عليه ؛ لأنه ليس هو الرأس ولا حائله الشرعي ، كما لو كان الخضاب على يديه ورجليه ، وإذا مسح رأسه أو وجهه في التيمم بخرقة [ ص: 203 ] ونحوها أجزأه في أصح الوجهين ؛ لأن المسح في الآية مطلق فيتناول اليد وغيرها كما يتناول يد الغير .
ولو لم يجزئه في المشهور ، وكذلك الخرقة ؛ لأنه لا يسمى مسحا بخلاف غمس ( العضو ) في الماء فإنه يسمى غسلا ، وإن وضع يده المبلولة على رأسه من غير إمرار أجزأه في أشهر الروايتين بناء على أن البلل الباقي على الأصبع ليس بمستعمل ، وإنما المستعمل ما انتقل إلى الرأس وإذا غسل رأسه أو خفه وأمر يده عليه أجزأ ; لأنه مسح وزيادة ، وإن لم يمر يده لم يجزئه في إحدى الروايتين ؛ لأن الإمرار بعض المسح ولم يأت به وفي الأخرى يجزئ ؛ لأنه أكثر من المسح . مسح الرأس بإصبع أو إصبعين
ولو أجزأ إن أمر يده وإن لم يمرها ولم يجر لم يجزئه في أشهر الوجهين ، فإن جرى فعلى روايتي الغسل ، ولو أصابه ذلك من غير قصد ، ثم أمر يده عليه أجزأه في أشهر الروايتين ; لأن الماء الواقع بغير قصد غير مستعمل ، فإذا مسح به كان كما لو نقله بيده ، وفي الأخرى لا يجزئ لأنه لم يقصد نقل الطهور إلى محله . وقف تحت ميزاب أو مطر ليقصد الطهارة