( 2751 ) فصل : . فالإيجاب ، أن يقول : بعتك أو ملكتك ، أو لفظ يدل عليهما . والقبول ، أن يقول : اشتريت ، أو قبلت ، ونحوهما . فإن تقدم القبول على الإيجاب بلفظ الماضي ، فقال : ابتعت منك . فقال : بعتك . صح ; لأن لفظ الإيجاب والقبول وجد منهما على وجه تحصل منه الدلالة على تراضيهما به ، فصح ، كما لو تقدم الإيجاب . والبيع على ضربين ; أحدهما ، الإيجاب والقبول
وإن تقدم بلفظ الطلب ، فقال : بعني ثوبك . فقال : بعتك . [ ص: 4 ] ففيه روايتان ، إحداهما ، يصح كذلك . وهو قول ، مالك . والثانية ، لا يصح . وهو قول والشافعي ; لأنه لو تأخر عن الإيجاب ، لم يصح به البيع ، فلم يصح إذا تقدم ، كلفظ الاستفهام ، ولأنه عقد عري عن القبول ، فلم ينعقد ، كما لو لم يطلب . أبي حنيفة
وحكى فيما إذا تقدم بلفظ الماضي ، روايتين أيضا ، فأما إن تقدم بلفظ الاستفهام ، مثل أن يقول : أتبيعني ثوبك بكذا ؟ فيقول : بعتك . لم يصح بحال . نص عليه أبو الخطاب وبه يقول أحمد ، أبو حنيفة . ولا نعلم عن غيرهم خلافهم ; لأن ذلك ليس بقبول ولا استدعاء . الضرب الثاني ، والشافعي ، مثل أن يقول : أعطني بهذا الدينار خبزا . فيعطيه ما يرضيه ، أو يقول : خذ هذا الثوب بدينار . فيأخذه ، فهذا بيع صحيح . المعاطاة
نص عليه ، في من قال لخباز : كيف تبيع الخبز ؟ قال : كذا بدرهم . قال : زنه ، وتصدق به . فإذا وزنه فهو عليه . وقول أحمد نحو من هذا ، فإنه قال : يقع البيع بما يعتقده الناس بيعا . وقال بعض الحنفية : يصح في خسائس الأشياء . مالك
وحكي عن مثل هذا ، قال : يصح في الأشياء اليسيرة دون الكبيرة . ومذهب القاضي ، رحمه الله ، أن البيع لا يصح إلا بالإيجاب ، والقبول . وذهب بعض أصحابه إلى مثل قولنا . الشافعي
ولنا ، أن الله أحل البيع ، ولم يبين كيفيته ، فوجب الرجوع فيه إلى العرف ، كما رجع إليه في القبض والإحراز والتفرق ، والمسلمون في أسواقهم وبياعاتهم على ذلك ، ولأن البيع كان موجودا بينهم ، معلوما عندهم ، وإنما علق الشرع عليه أحكاما ، وأبقاه على ما كان ، فلا يجوز تغييره بالرأي والتحكم ، ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه ، مع كثرة وقوع البيع بينهم ، استعمال الإيجاب والقبول ، ولو استعملوا ذلك في بياعاتهم لنقل نقلا شائعا ، ولو كان ذلك شرطا ، لوجب نقله ، ولم يتصور منهم إهماله والغفلة عن نقله ، ولأن البيع مما تعم به البلوى ، فلو اشترط له الإيجاب والقبول لبينه صلى الله عليه وسلم بيانا عاما ، ولم يخف حكمه ; لأنه يفضي إلى وقوع العقود الفاسدة كثيرا ، وأكلهم المال بالباطل ، ولم ينقل ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه فيما علمناه ، ولأن الناس يتبايعون في أسواقهم بالمعاطاة في كل عصر ، ولم ينقل إنكاره من قبل مخالفينا ، فكان ذلك إجماعا ، وكذلك الحكم في الإيجاب والقبول ، في الهبة ، والهدية ، والصدقة ، ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه استعمال ذلك فيه ، وقد أهدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحبشة وغيرها ، وكان الناس يتحرون بهداياهم يوم متفق عليه . وروى عائشة . ، عن البخاري رضي الله عنه قال : { أبي هريرة } وفي حديث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتي بطعام سأل عنه : أهدية أم صدقة ؟ . فإن قيل : صدقة . قال لأصحابه : كلوا . ولم يأكل ، وإن قيل : هدية . ضرب بيده ، وأكل معهم . سلمان ، حين جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بتمر ، فقال : هذا شيء من الصدقة ، رأيتك أنت وأصحابك أحق الناس به . { } ثم أتاه ثانية بتمر ، فقال : رأيتك لا تأكل الصدقة ، وهذا شيء أهديته لك . { فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه : كلوا . ولم يأكل ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : بسم الله . وأكل . } ولم ينقل قبول ولا أمر بإيجاب . وإنما سأل ليعلم ، هل هو صدقة ، أو هدية ، وفي أكثر الأخبار لم ينقل إيجاب ولا قبول ، وليس إلا المعاطاة ، والتفرق عن تراض يدل على صحته ، ولو كان الإيجاب والقبول شرطا في هذه العقود [ ص: 5 ] لشق ذلك ، ولكانت أكثر عقود المسلمين فاسدة ، وأكثر أموالهم محرمة . ولأن الإيجاب والقبول إنما يرادان للدلالة على التراضي ، فإذا وجد ما يدل عليه ، من المساومة والتعاطي ، قام مقامهما ، وأجزأ عنهما ; لعدم التعبد فيه .