( 2754 ) الفصل الثاني ، أن لدلالة الحديث عليه ، ولا خلاف في لزومه بعد التفرق ، والمرجع في التفرق إلى عرف الناس وعادتهم ، فيما يعدونه تفرقا ; لأن الشارع علق عليه حكما ، ولم يبينه ، فدل ذلك على أنه أراد ما يعرفه الناس ، كالقبض ، والإحراز ، فإن كانا في فضاء واسع ، كالمسجد الكبير ، والصحراء ، فبأن يمشي أحدهما مستدبرا لصاحبه خطوات ، وقيل : هو أن يبعد منه بحيث لا يسمع كلامه الذي يتكلم به في العادة . البيع يلزم بتفرقهما ;
قال أبو الحارث : سئل عن تفرقة الأبدان ؟ فقال : إذا أخذ هذا كذا ، وهذا كذا ، فقد تفرقا . وروى أحمد ، عن مسلم ، قال : فكان نافع إذا بايع ، فأراد أن لا يقيله ، مشى هنيهة ، ثم رجع . وإن كانا في دار كبيرة ، ذات مجالس وبيوت ، فالمفارقة أن يفارقه من بيت إلى بيت ، أو إلى مجلس ، أو صفة ، أو من مجلس إلى بيت ، أو نحو ذلك . فإن كانا في دار صغيرة ، فإذا صعد أحدهما السطح ، أو خرج منها ، فقد فارقه . ابن عمر
وإن كانا في سفينة صغيرة ، خرج أحدهما منها ومشى ، وإن كانت كبيرة صعد أحدهما على أعلاها ، ونزل الآخر في أسفلها . وهذا كله مذهب فإن كان المشتري هو البائع ، مثل أن يشتري لنفسه من مال ولده ، أو اشترى لولده من مال نفسه ، لم يثبت فيه خيار المجلس ; لأنه تولى طرفي العقد ، فلم يثبت له خيار ، كالشفيع ، ويحتمل أن يثبت فيه ، ويعتبر مفارقة مجلس العقد للزومه ; لأن الافتراق لا يمكن هاهنا ، لكون البائع هو المشتري ، الشافعي ، قصدا ذلك أو لم يقصداه ، علماه أو جهلاه ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم علق الخيار على التفرق ، وقد وجد . ومتى حصل التفرق لزم العقد
ولو ، لزم العقد ; لأنه فارقه باختياره ، ولا يقف لزوم العقد على رضاهما ، ولهذا كان هرب أحدهما من صاحبه يفارق صاحبه ليلزم البيع . ولو ابن عمر ، فالخيار بحاله ، وإن طالت المدة لعدم التفرق . أقاما في المجلس ، وسدلا بينهما سترا ، أو بنيا بينهما حاجزا ، أو ناما ، أو قاما فمضيا جميعا ولم يتفرقا
وروى أبو داود ، ، بإسنادهما عن والأثرم أبي الوضيء ، قال : غزونا غزوة لنا ، فنزلنا منزلا ، فباع صاحب لنا فرسا بغلام ، ثم أقاما بقية يومهما وليلتهما ، فلما أصبحا من الغد ، وحضر الرحيل ، قام إلى فرسه يسرجه ، فندم ، فأتى الرجل ، وأخذه بالبيع ، فأبى الرجل أن يدفعه إليه ، فقال : بيني وبينك صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم . فأتيا أبو برزة في ناحية العسكر ، فقالا له هذه القصة . فقال : [ ص: 7 ] أترضيان أن أقضي بينكما بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { أبا برزة } ما أراكما افترقتما . فإن البيعان بالخيار ما لم يتفرقا . ، احتمل بطلان الخيار ; لوجود غايته ، وهو التفرق ، ولأنه لا يعتبر رضاه في مفارقة صاحبه له ، فكذلك في مفارقته لصاحبه . فارق أحدهما الآخر مكرها
وقال : لا ينقطع الخيار ; لأنه حكم علق على التفرق ، فلم يثبت مع الإكراه ، كما لو علق عليه الطلاق . ولأصحاب القاضي وجهان كهذين . فعلى قول من لا يرى انقطاع الخيار ، إن أكره أحدهما على فرقة صاحبه ، انقطع خيار صاحبه ، كما لو هرب منه ، وفارقه بغير رضاه ، ويكون الخيار للمكره منهما في المجلس الذي يزول عنه فيه الإكراه ، حتى يفارقه . الشافعي
وإن انقطع خيارهما ; لأن كل واحد منهما ينقطع خياره بفرقة الآخر له ، فأشبه ما لو أكره صاحبه دونه . وذكر أكرها جميعا من صور الإكراه ، ما لو رأيا سبعا أو ظالما خشياه ، فهربا فزعا منه ، أو حملهما سيل أو فرقت ريح بينهما . ابن عقيل
( 2755 ) فصل : فإن لم تفهم إشارته ، أو جن ، أو أغمي عليه ، قام وليه من الأب ، أو وصيه ، أو الحاكم ، مقامه ، وهذا مذهب وإن خرس أحدهما ، قامت إشارته مقام لفظه ، . وإن الشافعي بطل خياره ; لأنه قد تعذر منه الخيار ، والخيار لا يورث . وأما الباقي منهما فيبطل خياره أيضا ; لأنه يبطل بالتفرق ، والتفرق بالموت أعظم ، ويحتمل أن لا يبطل ; لأن التفرق بالأبدان لم يحصل . فإن حمل الميت بطل الخيار ; لأن الفرقة حصلت بالبدن والروح معا . مات أحدهما
( 2756 ) فصل : وقد روى ، عن أبيه ، عن جده ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { عمرو بن شعيب } . رواه البائع والمبتاع بالخيار حتى يتفرقا ، إلا أن تكون صفقة خيار ، فلا يحل له أن يفارق صاحبه خشية أن يستقيله ، النسائي ، والأثرم والترمذي ، وقال : حديث حسن . وقوله : " إلا أن تكون صفقة خيار " . يحتمل أنه أراد البيع المشروط فيه الخيار ، فإنه لا يلزم بتفرقهما ، ولا يكون تفرقهما غاية للخيار فيه ; لكونه ثابتا بعد تفرقهما . ويحتمل أنه أراد البيع الذي شرطا فيه أن لا يكون بينهما فيه خيار ، فيلزم بمجرد العقد من غير تفرق . وظاهر الحديث وهذا ظاهر كلام تحريم مفارقة أحد المتبايعين لصاحبه خشية من فسخ البيع ، في رواية أحمد ، فإنه ذكر له فعل الأثرم ، وحديث ابن عمر ، فقال : هذا الآن قول النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا اختيار عمرو بن شعيب . أبي بكر
وذكر ، أن ظاهر كلام القاضي ، جواز ذلك ; لأن أحمد كان إذا اشترى شيئا يعجبه فارق صاحبه . متفق عليه . والأول أصح ; لأن قول النبي صلى الله عليه وسلم يقدم على فعل ابن عمر . والظاهر أن ابن عمر لم يبلغه هذا ، ولو علمه لما خالفه . ابن عمر
( 2757 ) الفصل الثالث : أن ظاهر كلام أن الخرقي وهو إحدى الروايتين عن الخيار يمتد إلى التفرق ، ولا يبطل بالتخاير قبل العقد ولا بعده ، ; لأن أكثر الروايات عن النبي صلى الله عليه وسلم : { أحمد } . من غير تقييد ، ولا تخصيص ، هكذا رواه البيعان بالخيار ما لم يتفرقا ، حكيم بن حزام ، وأكثر الروايات عن وأبو برزة والرواية الثانية أن الخيار يبطل بالتخاير . اختارها عبد الله بن عمر الشريف بن أبي موسى ، وهذا مذهب ، وهو أصح ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الشافعي : { ابن عمر } . يعني لزم . وفي لفظ : { فإن خير أحدهما صاحبه ، فتبايعا على ذلك ، فقد وجب البيع } . متفق عليه . المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا ، إلا أن يكون البيع كان عن خيار ، فإن كان البيع [ ص: 8 ] عن خيار فقد وجب البيع
والأخذ بالزيادة أولى . واحد ، فالتخاير في ابتدائه أن يقول : بعتك ولا خيار بيننا . ويقبل الآخر على ذلك ، فلا يكون لهما خيار . والتخاير بعده أن يقول كل واحد منهما بعد العقد : اخترت إمضاء العقد ، أو إلزامه ، أو اخترت العقد ، أو أسقطت خياري . فيلزم العقد من الطرفين ، وإن اختار أحدهما دون الآخر ، لزم في حقه وحده ، كما لو كان خيار الشرط لهما ، فأسقط أحدهما خياره دون الآخر . وقال أصحاب والتخاير في ابتداء العقد وبعده في المجلس : في التخاير في ابتداء العقد قولان ، أظهرهما لا يقطع الخيار ; لأنه إسقاط للحق قبل سببه ، فلم يجز ، كخيار الشفعة . الشافعي
فعلى هذا ، هل يبطل العقد بهذا الشرط ؟ على وجهين ، بناء على الشروط الفاسدة . ولنا ، قوله عليه السلام : { } . وقوله : { فإن خير أحدهما صاحبه ، فتبايعا على ذلك ، فقد وجب البيع } . إلا أن يكون البيع كان عن خيار ، فإن كان البيع عن خيار وجب البيع
وهذا صريح في الحكم ، فلا يعول على ما خالفه . ولأن ما أثر في الخيار في المجلس ، أثر فيه مقارنا للعقد ، كاشتراط الخيار . ولأنه أحد الخيارين في البيع ، فجاز إخلاؤه عنه ، كخيار الشرط . وقولهم : إنه إسقاط للخيار قبل سببه . ليس كذلك ، فإن سبب الخيار البيع المطلق ، فأما البيع مع التخاير فليس بسبب له . ثم لو ثبت أنه سبب الخيار ، لكن المانع مقارن له ، فلم يثبت حكمه ، وأما الشفيع ، فإنه أجنبي من العقد ، فلم يصح اشتراط إسقاط خياره في العقد ، بخلاف مسألتنا . فإن قال أحدهما لصاحبه : اختر . ولم يقل الآخر شيئا ، فالساكت منهما على خياره ; لأنه لم يوجد منه ما يبطل خياره .
وأما القائل ، فيحتمل أن يبطل خياره ; لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { ابن عمر } . رواه البيعان بالخيار ما لم يتفرقا ، أو يقول أحدهما لصاحبه : اختر ، البخاري وأبو داود ، ، ولأنه جعل لصاحبه ما ملكه من الخيار ، فسقط خياره ، وهذا ظاهر مذهب والنسائي . ويحتمل أن لا يبطل خياره ; لأنه خيره ، فلم يختر ، فلم يؤثر فيه ، كما لو جعل لزوجته الخيار ، فلم تختر ، شيئا ، ويحمل الحديث على أنه خيره فاختار ، والأول أولى ; لظاهر الحديث . ولأنه جعل الخيار لغيره ، ويفارق الزوجة ; لأنه ملكها ما لا تملك ، فإذا لم تقبل ، سقط ، وها هنا كل واحد منهما يملك الخيار ، فلم يكن قوله تمليكا ، إنما كان إسقاطا ، فسقط . الشافعي