( 2759 ) فصل : ومتى تصرفا يختص الملك ، بطل خياره ، كإعتاق العبد ، وكتابته ، وبيعه ، وهبته ، ووطء الجارية ، أو مباشرتها ، أو لمسها لشهوة ، ووقف المبيع ، وركوب الدابة لحاجته ، أو سفر ، أو حمله عليها ، أو سكنى الدار ، ورمها ، وحصاد الزرع ، وقصل منه ، فما وجد من هذا فهو رضاء بالمبيع ، ويبطل به خياره ; لأن الخيار يبطل بالتصريح بالرضاء ، وبدلالته ، ولذلك يبطل خيار المعتقة بتمكينها الزوج من وطئها ، { تصرف المشتري في المبيع في مدة الخيار } وقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن وطئك فلا خيار لك .
وهذا مذهب ، أبي حنيفة . فأما ركوب الدابة لينظر سيرها ، والطحن على الرحى ليعلم قدر طحنها ، وحلب الشاة ليعلم قدر لبنها ، ونحو ذلك ، فليس برضا بالبيع ، ولا يبطل خياره ; لأن ذلك هو المقصود بالخيار ، وهو اختبار المبيع ، وذكر والشافعي وجها في أن تصرف المشتري لا يبطل خياره ، ولا يبطل إلا بالتصريح بالرضا . أبو الخطاب
ولا يصح ; لأن هذا يتضمن إجازة البيع ، ويدل على الرضا به ، فبطل به الخيار كصريح القول . ولأن التصريح إنما أبطل الخيار لدلالته على الرضا به ، فما دل على الرضا به يقوم مقامه ، ككنايات الطلاق ، تقوم مقام صريحه .
وإن عرضه على البيع ، أو باعه بيعا فاسدا ، أو عرضه على الرهن ، أو غيره من التصرفات ، أو وهبه ، فلم يقبل الموهوب له ، بطل خياره ; لأن ذلك يدل على الرضا به . قال : إذا اشترط الخيار ، فباعه قبل ذلك بربح ، فالربح للمبتاع ; لأنه وجب عليه حين عرضه . أحمد
وإن استخدم المشتري المبيع ، ففيه روايتان ; إحداهما ، لا يبطل خياره ، وقال أبو الصقر : قلت : رجل اشترى جارية ، وله الخيار فيها يومين ، فانطلق بها ، فغسلت رأسه ، أو غمزت رجله ، أو طحنت له ، أو خبزت ، هل يستوجبها بذلك ؟ قال : لا ، حتى يبلغ منها ما لا يحل لغيره . قلت : فإن مشطها ، أو خضبها ، أو حفها ، هل يستوجبها بذلك ؟ قال : قد بطل خياره ; لأنه وضع يده عليها . وذلك لأن الاستخدام لا يختص الملك ، ويراد لتجربة المبيع ، فأشبه ركوب الدابة ليعلم سيرها . ونقل لأحمد حرب ، عن ، أنه يبطل خياره ; لأنه انتفاع بالمبيع ، أشبه لمسها لشهوة . ويمكن أن يقال : ما قصد به من الاستخدام ، تجربة المبيع ، لا يبطل الخيار ، كركوب الدابة ليعلم سيرها ، وما لا يقصد به ذلك يبطل الخيار ، كركوب الدابة لحاجته ، وإن قبلت الجارية المشتري لم يبطل خياره ، وهذا مذهب أحمد . الشافعي
وقال : يحتمل أن يبطل خياره إذا لم يمنعها ; لأن إقراره لها على ذلك يجري مجرى استمتاعه بها . وقال أبو الخطاب : إن قبلته لشهوة بطل خياره ، لأنه استمتاع يختص الملك ، فأبطل خياره ، كقبلته لها . ولنا : أنها قبلة لأحد المتعاقدين ، فلم يبطل خياره ، كما لو قبلت البائع . ولأن الخيار له ، لا لها ، فلو ألزمناه بفعلها لألزمناه بغير رضاه ، ولا دلالة عليه ، وفارق ما إذا قبلها ; فإنه وجد منه ما يدل على الرضا بها . ومتى بطل خيار المشتري بتصرفه ، فخيار البائع باق بحاله ; لأن خياره لا يبطل برضا [ ص: 10 ] غيره ، إلا أن يكون تصرف المشتري بإذن البائع ، فإنه يبطل خيارهما معا ; لوجود الرضا منهما بإبطاله . أبو حنيفة
وإن ، كان فسخا للبيع ، وهذا مذهب تصرف البائع في المبيع بما يفتقر إلى الملك ، أبي حنيفة ; لما ذكرناه في المشتري . ولأنه أحد المتعاقدين ، فتصرفه في المبيع اختيار له ، كالمشتري . وعن والشافعي رواية أخرى ، أنه لا ينفسخ البيع بذلك ; لأن الملك انتقل عنه ، فلم يكن تصرفه فيه استرجاعا له ، كمن وجد ماله عند مفلس ، فتصرف فيه . أحمد