ولنا ، عموم النهي عن المزابنة ، استثنى منه العرية فيما دون خمسة أوسق ، فما زاد يبقى على العموم في التحريم . ولأن ما لا يجوز عليه العقد مرة إذا كان نوعا واحدا ، لا يجوز في عقدين ، كالذي على وجه الأرض ، وكالجمع بين الأختين ، فأما حديث سهل فإنه مقيد بالنخلة والنخلتين ; بدليل ما روينا ، فيدل على تحريم الزيادة عليهما ، ثم إن المطلق يحمل على المقيد كما في العقد الواحد . فأما إن جاز . باع رجل عريتين من رجلين فيهما أكثر من خمسة أوسق
وقال أبو بكر : لا يجوز ; لما ذكرنا في المشتري . [ ص: 59 ] ولنا أن المغلب في التجويز حاجة المشتري ; بدليل ما روى والقاضي قال : { محمود بن لبيد : ما عراياكم هذه ؟ فسمى رجالا محتاجين من لزيد بن ثابت الأنصار ، شكوا إلى رسول الله أن الرطب يأتي ولا نقد بأيديهم يبتاعون به رطبا يأكلونه ، وعندهم فضول من التمر ، فرخص لهم أن يبتاعوا العرايا بخرصها من التمر الذي في أيديهم يأكلونه رطبا . } وإذا كان سبب الرخصة حاجة المشتري ، لم تعتبر حاجة البائع إلى البيع ، فلا يتقيد في حقه بخمسة أوسق . قلت
ولأننا لو اعتبرنا الحاجة من المشتري وحاجة البائع إلى البيع ، أفضى إلى أن لا يحصل الإرفاق ، إذ لا يكاد يتفق وجود الحاجتين ، فتسقط الرخصة . فإن قلنا : لا يجوز ذلك ، بطل العقد الثاني . ، جاز ، وجها واحدا . ( 2869 ) الفصل الثالث ، أنه فإن اشترى عريتين أو باعهما ، وفيهما أقل من خمسة أوسق . هذا ظاهر كلام أصحابنا . وبه قال لا يشترط في بيع العرية أن تكون موهوبة لبائعها . وظاهر قول الشافعي ، أنه شرط . الخرقي
وقد روى ، قال : سمعت الأثرم سئل عن تفسير العرايا . فقال : العرايا أن يعري الرجل الجار أو القرابة للحاجة أو المسكنة ، فللمعري أن يبيعها ممن شاء . وقال أحمد : مالك هو أن يعري الرجل الرجل نخلات من حائطه ، ثم يكره صاحب الحائط دخول الرجل المعري ; لأنه ربما كان مع أهله في الحائط ، فيؤذيه دخول صاحبه عليه ، فيجوز أن يشتريها منه . واحتجوا بأن العرية في اللغة هبة ثمرة النخيل عاما . قال بيع العرايا الجائز : الإعراء ، أن يجعل الرجل للرجل ثمرة نخله عامها ذلك . قال الشاعر الأنصاري يصف النخل : أبو عبيد
ليست بسنهاء ولا رجبية ولكن عرايا في السنين الجوائح
يقول : إنا نعريها الناس . فتعين صرف اللفظ إلى موضوعه لغة ومقتضاه في العربية ، ما لم يوجد ما يصرفه عن ذلك .ولنا ، حديث ، وهو حجة على زيد بن ثابت ، في تصريحه بجواز بيعها من غير الواهب ، ولأنه لو كان لحاجة الواهب لما اختص بخمسة أوسق ، لعدم اختصاص الحاجة بها . ولم يجز بيعها بالتمر ; لأن الظاهر من حال صاحب الحائط الذي له النخيل الكثير يعريه الناس ، أنه لا يعجز عن أداء ثمن العرية ، وفيه حجة على من اشترط كونها موهوبة لبائعها ; لأن علة الرخصة حاجة المشتري إلى أكل الرطب ، ولا ثمن معه سوى التمر ، فمتى وجد ذلك ، جاز البيع . مالك
ولأن اشتراط كونها موهوبة مع اشتراط حاجة المشتري إلى أكلها رطبا ، ولا ثمن معه ، يفضي إلى سقوط الرخصة ، إذ لا يكاد يتفق ذلك . ولأن ما جاز بيعه إذا كان موهوبا ، جاز وإن لم يكن موهوبا ، كسائر الأموال ، وما جاز بيعه لواهبه ، جاز لغيره ، كسائر الأموال ، وإنما سمي عرية لتعريه عن غيره ، وإفراده بالبيع .
( 2870 ) الفصل الرابع : أنه إنما يجوز ويجب أن يكون التمر الذي يشتري به معلوما بالكيل ، ولا يجوز جزافا . لا نعلم في هذا عند من أباح بيع العرايا اختلافا ; لما روى بيعها بخرصها من التمر ، لا أقل منه ولا أكثر ، { زيد بن ثابت } متفق عليه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرخص في العرايا أن تباع بخرصها كيلا . ، أن تؤخذ بمثل خرصها تمرا يأكلها أهلها رطبا . ولأن الأصل اعتبار الكيل من الطرفين ، سقط في أحدهما للتعذر ، فيجب في الآخر بقضية الأصل . ولأن ترك الكيل من الطرفين يكثر الغرر ، وفي تركه من أحدهما يقلل الغرر ، ولا يلزم [ ص: 60 ] من صحته مع قلة الغرر ، صحته مع كثرته . ولمسلم
ومعنى خرصها بمثلها من التمر ، أن يطيف الخارص بالعرية ، فينظر كم يجيء منها تمرا ، فيشتريها المشتري بمثلها تمرا . وبهذا قال . ونقل الشافعي عن حنبل ، أنه قال : يخرصها رطبا ، ويعطي تمرا رخصة . وهذا يحتمل الأول ، ويحتمل أنه يشتريها بتمر مثل الرطب الذي عليها ; لأنه بيع اشترطت المماثلة فيه ، فاعتبرت حال البيع كسائر البيوع . ولأن الأصل اعتبار المماثلة في الحال ، وأن لا يباع الرطب بالتمر . خولف الأصل في بيع الرطب بالتمر ، فيبقى فيما عداه على قضية الدليل . أحمد
وقال القاضي : الأول أصح ; لأنه يبنى على خرص الثمار في العشر والصحيح ، ثم خرصه تمرا . ولأن معتبرة حالة الادخار ، وبيع الرطب بمثله تمرا يفضي إلى فوات ذلك . فأما إن المماثلة في بيع التمر بالتمر ، لم يجز . وهذا أحد الوجوه لأصحاب اشتراها بخرصها رطبا . والثاني يجوز . والثالث ، لا يجوز مع اتفاق النوع ، ويجوز مع اختلافه . الشافعي
ووجه جوازه ، ما روى الجوزجاني ، عن أبي صالح ، عن ، عن الليث ابن شهاب ، عن سالم ، عن ، عن ابن عمر ، { زيد بن ثابت } ولأنه إذا جاز بيع الرطب بالتمر مع اختصاص أحدهما بالنقص في ثاني الحال ، فلأن يجوز مع عدم ذلك أولى . ولنا ، ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أرخص بعد ذلك في بيع العرية بالرطب ، أو التمر ، ولم يرخص في غير ذلك . بإسناده عن مسلم ، { زيد بن ثابت } وعن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرخص في العرايا أن تؤخذ بمثل خرصها تمرا . سهل بن أبي حثمة ، { } أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمر بالتمر ، وقال : ذلك الربا ، تلك المزابنة . إلا أنه رخص في العرية ، النخلة والنخلتين ، يأخذها أهل البيت بخرصها تمرا ، يأكلونها رطبا .
ولأنه مبيع يجب فيه مثله تمرا ، فلم يجز بيعه بمثله رطبا ، كالتمر الجاف . ولأن من له رطب فهو مستغن عن شراء الرطب بأكل ما عنده ، وبيع العرايا يشترط فيه حاجة المشتري ، على ما أسلفناه .
وحديث شك في الرطب والتمر ، فلا يجوز العمل به مع الشك ، سيما وهذه الأحاديث تبينه ، وتزيل الشك . ابن عمر