( 2957 ) فصل ، كالذي ذكرنا . والأجرة ، وبدل الصلح ، إذا كانا من المكيل ، أو الموزون ، أو المعدود ، وما لا ينفسخ العقد بهلاكه ، جاز التصرف فيه قبل قبضه ، كعوض الخلع ، والعتق على مال ، وبدل الصلح عن دم العمد ، وأرش الجناية ، وقيمة المتلف ; لأن المطلق للتصرف الملك ، وقد وجد . لكن ما يتوهم فيه غرر الانفساخ بهلاك المعقود عليه ، لم يجز بناء عقد آخر عليه ; تحرزا من الغرر . وما لا يتوهم فيه ذلك الغرر ، انتفى المانع ، فجاز العقد عليه ، وهذا قول : وكل عوض ملك بعقد ينفسخ بهلاكه قبل القبض ، لم يجز التصرف فيه قبل قبضه . والمهر كذلك عند أبي حنيفة ، وهو قول القاضي ; لأن العقد لا ينفسخ بهلاكه . أبي حنيفة
وقال : لا يجوز التصرف فيه قبل قبضه . ووافقه الشافعي في غير المتعين : لأنه يخشى رجوعه بانتقاض سببه بالردة قبل الدخول ، أو انفساخه بسبب من جهة المرأة ، أو نصفه بالطلاق ، أو انفساخه بسبب من غير جهتها . وكذلك قال أبو الخطاب في عوض الخلع . وهذا التعليل باطل بما بعد القبض ، فإن قبضه لا يمنع الرجوع فيه قبل الدخول . الشافعي
وأما ما ملك بإرث ، أو وصية ، أو غنيمة ، وتعين ملكه فيه ، فإنه يجوز له التصرف فيه بالبيع وغيره قبل قبضه ; لأنه غير مضمون بعقد معاوضة ، فهو كالمبيع المقبوض ، وهذا مذهب ، أبي حنيفة ، ولا أعلم عن غيرهم خلافهم . وإن كان لإنسان في يد غيره وديعة ، أو عارية ، أو مضاربة ، أو جعله وكيلا فيه ، جاز له بيعه ممن هو في يده ، ومن غيره ; لأنه عين مال مقدور على تسليمها ، لا يخشى انفساخ الملك فيها ، فجاز بيعها ، كالتي في يده . وإن كان غصبا ، جاز بيعه ممن هو في يده ; لأنه مقبوض معه ، فأشبه بيع العارية ممن هي في يده ; وأما بيعه لغيره ، فإن كان عاجزا عن استنقاذه ، أو ظن أنه عاجز ، لم يصح شراؤه له ; لأنه معجوز عن تسليمه إليه ، فأشبه بيع الآبق والشارد . والشافعي
وإن ظن أنه قادر على استنقاذه ممن هو في يده ، صح البيع ; لإمكان قبضه . فإن عجز عن استنقاذه ، فله الخيار بين الفسخ ، والإمضاء ; لأن العقد صح لكونه مظنون القدرة على قبضه . ويثبت له الفسخ ; للعجز عن القبض ، فأشبه ما لو باعه فرسا ، فشردت قبل تسليمها ، أو غائبا بالصفة ، فعجز عن تسليمه .
( 2958 ) فصل ، لم يصح ; لأنه لا يجوز أن يقبضه قبل أن يقبضه . وهل يصح لزيد ؟ على روايتين ; إحداهما ، يصح ; لأنه أذن له في القبض ، فأشبه قبض وكيله . والثانية ، لا يصح ; لأنه لم يجعله نائبا له في القبض ، فلم يقع له ، بخلاف الوكيل . فعلى الوجه الأول ، يصير ملكا لزيد ، وعلى الثاني ، يكون باقيا على ملك المسلم إليه . : وإن كان لزيد على رجل طعام من سلم ، وعليه لعمرو مثل ذلك الطعام سلما ، فقال زيد لعمرو : اذهب فاقبض الطعام الذي لي من غريمي لنفسك . ففعل
ولو قال زيد لعمرو : احضر اكتيالي منه لأقبضه لك . ففعل ، لم يصح . وهل يكون قابضا لنفسه ؟ على وجهين ; أولاهما ، أنه يكون قابضا لنفسه ; لأن قبض المسلم فيه قد وجد من مستحقه ، فصح القبض له ، كما لو نوى القبض لنفسه . فعلى هذا ، إذا قبضه لعمرو ، صح . وإن قال : خذه بهذا الكيل الذي قد شاهدته فأخذه به ، صح ; لأنه قد شاهد كيله ، وعلمه ، فلا معنى لاعتبار كيله مرة ثانية . وعنه لا [ ص: 93 ] يجزئ . وهو مذهب ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الطعام حتى يجري فيه الصاعان . وهذا داخل فيه . الشافعي
ولأنه قبضه بغير كيل ، أشبه ما لو قبضه جزافا . ولو قال زيد لعمرو : احضرنا حتى أكتاله لنفسي ، ثم تكتاله أنت . وفعلا ، صح بغير إشكال . وإن اكتاله زيد لنفسه ، ثم أخذه عمرو بذلك الكيل الذي شاهده ، فعلى روايتين . وإن تركه زيد في المكيال ، ودفعه إلى عمرو ليفرغه لنفسه ، صح ، وكان ذلك قبضا صحيحا ; لأن استدامة الكيل بمنزلة ابتدائه ، ولا معنى لابتداء الكيل هاهنا ، إذ لا يحصل به زيادة علم .
وقال أصحاب : لا يصح ; لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام حتى يجري فيه الصاعان . وهذا يمكن القول بموجبه ، وقبض المشتري له في المكيال جري لصاعيه فيه . ولو دفع زيد إلى عمرو دراهم ، فقال : اشتر لك بها مثل الطعام الذي لك علي . ففعل ، لم يصح ; لأن دراهم زيد لا يكون عوضها لعمرو . فإن اشترى الطعام بعينها ، أو في ذمته ، فهو كتصرف الفضولي على ما تبين . الشافعي
وإن قال : اشتر لي بها طعاما ، ثم أقبضه لنفسك ، ففعل ، صح الشراء ، ولم يصح القبض لنفسه ، على ما تقدم في مثل هذه الصورة . وإن قال : اقبضه لنفسك ففعل ، جاز . نص على نظير ذلك ، وهكذا جميع المسائل التي تقدمت ، إذا حصل الطعام في يد عمرو لزيد ، فأذن له أن يقبض من نفسه . وقال أصحاب أحمد : لا يصح ; لأنه لا يجوز أن يكون قابضا لنفسه من نفسه . ولنا ، أنه يجوز أن يشتري لنفسه من مال ولده ، ويقبض لنفسه من نفسه ، وكذلك لو وهب لولده الصغير شيئا ، جاز أن يقبل له من نفسه ، ويقبض منها ، فكذا هاهنا . الشافعي