( 3477 ) فصل : وإنما ; لقول الله تعالى { يعرف رشده باختباره : وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح } . يعني اختبروهم . كقوله تعالى : { ليبلوكم أيكم أحسن عملا } أي يختبركم . واختباره بتفويض التصرفات التي يتصرف فيها أمثاله إليه ; فإن كان من أولاد التجار فوض إليه البيع ، والشراء ، فإذا تكررت منه ، فلم يغبن ، ولم يضيع ما في يديه ، فهو رشيد .
وإن ، رفعت إليه نفقة مدة ، لينفقها في مصالحه ، فإن كان قيما بذلك ، يصرفها في مواقعها ، ويستوفي على وكيله ، ويستقصي عليه ، فهو رشيد . والمرأة يفوض إليها ما يفوض إلى ربة البيت ، من استئجار الغزالات ، وتوكيلها في شراء الكتان ، وأشباه ذلك . فإن وجدت ضابطة لما في يديها ، مستوفية من وكيلها ، فهي رشيدة . كان من أولاد الدهاقين ، والكبراء الذين يصان أمثالهم عن الأسواق قبل البلوغ ، في إحدى الروايتين ، وهو أحد الوجهين لأصحاب ووقت الاختبار ; لأن الله تعالى قال : { الشافعي وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم } .
فظاهر الآية أن ابتلاءهم قبل البلوغ ، لوجهين ; أحدهما ، أنه سماهم يتامى ، وإنما يكونون يتامى قبل البلوغ . والثاني ، أنه مد اختبارهم إلى البلوغ بلفظة :
( حتى ) ، فدل على أن الاختبار قبله ، ولأن تأخير الاختبار إلى البلوغ مؤد إلى الحجر على البالغ الرشيد ; لأن الحجر يمتد إلى أن يختبر ويعلم رشده ، واختباره قبل البلوغ يمنع ذلك ، فكان أولى . لكن لا يختبر إلا المراهق المميز ، الذي يعرف البيع والشراء . والمصلحة من المفسدة . ومتى أذن له وليه فتصرف ، صح تصرفه ، على ما ذكرنا فيما مضى .
وقد أومأ في موضع إلى اختباره بعد البلوغ ; لأن تصرفه قبل ذلك تصرف ممن لم يوجد فيه مظنة العقل . وقد اختلف أصحاب أحمد في الشافعي على نحو ما ذكرنا فيما مضى من الروايتين . وقت الاختبار