الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 3477 ) فصل : وإنما يعرف رشده باختباره ; لقول الله تعالى { : وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح } . يعني اختبروهم . كقوله تعالى : { ليبلوكم أيكم أحسن عملا } أي يختبركم . واختباره بتفويض التصرفات التي يتصرف فيها أمثاله إليه ; فإن كان من أولاد التجار فوض إليه البيع ، والشراء ، فإذا تكررت منه ، فلم يغبن ، ولم يضيع ما في يديه ، فهو رشيد .

                                                                                                                                            وإن كان من أولاد الدهاقين ، والكبراء الذين يصان أمثالهم عن الأسواق ، رفعت إليه نفقة مدة ، لينفقها في مصالحه ، فإن كان قيما بذلك ، يصرفها في مواقعها ، ويستوفي على وكيله ، ويستقصي عليه ، فهو رشيد . والمرأة يفوض إليها ما يفوض إلى ربة البيت ، من استئجار الغزالات ، وتوكيلها في شراء الكتان ، وأشباه ذلك . فإن وجدت ضابطة لما في يديها ، مستوفية من وكيلها ، فهي رشيدة . ووقت الاختبار قبل البلوغ ، في إحدى الروايتين ، وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي ; لأن الله تعالى قال : { وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم } .

                                                                                                                                            فظاهر الآية أن ابتلاءهم قبل البلوغ ، لوجهين ; أحدهما ، أنه سماهم يتامى ، وإنما يكونون يتامى قبل البلوغ . والثاني ، أنه مد اختبارهم إلى البلوغ بلفظة :

                                                                                                                                            ( حتى ) ، فدل على أن الاختبار قبله ، ولأن تأخير الاختبار إلى البلوغ مؤد إلى الحجر على البالغ الرشيد ; لأن الحجر يمتد إلى أن يختبر ويعلم رشده ، واختباره قبل البلوغ يمنع ذلك ، فكان أولى . لكن لا يختبر إلا المراهق المميز ، الذي يعرف البيع والشراء . والمصلحة من المفسدة . ومتى أذن له وليه فتصرف ، صح تصرفه ، على ما ذكرنا فيما مضى .

                                                                                                                                            وقد أومأ أحمد في موضع إلى اختباره بعد البلوغ ; لأن تصرفه قبل ذلك تصرف ممن لم يوجد فيه مظنة العقل . وقد اختلف أصحاب الشافعي في وقت الاختبار على نحو ما ذكرنا فيما مضى من الروايتين .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية