( 3574 ) فصل : في ، يصح ضمان كل جائز التصرف في ماله ، سواء كان رجلا أو امرأة ; لأنه عقد يقصد به المال ، فصح من المرأة كالبيع ، ولا يصح من المجنون والمبرسم ، ولا من صبي غير مميز ، بغير خلاف ; لأنه إيجاب مال بعقد ، فلم يصح منهم ، كالنذر . ولا يصح من السفيه المحجور عليه . من يصح ضمانه ، ومن لا يصح
ذكره ، وهو قول أبو الخطاب . وقال الشافعي : يصح ، ويتبع به بعد فك الحجر عنه ; لأن من أصلنا أن إقراره صحيح يتبع به من بعد فك الحجر عنه ، صح ، فكذلك ضمانه . والأول أولى ; لأنه إيجاب مال بعقد ، فلم يصح منه ، كالبيع والشراء ، ولا يشبه الإقرار ; لأنه إخبار بحق سابق . القاضي
وأما الصبي المميز ، فلا يصح ضمانه ، في الصحيح من الوجهين . وهو قول . وخرجه أصحابنا على الروايتين في صحة إقراره وتصرفاته بإذن وليه ، ولا يصح هذا الجمع ; لأن هذا التزام مال لا فائدة له فيه ، فلم يصح منه ، كالتبرع والنذر ، بخلاف البيع . وإن اختلفا في وقت الضمان بعد بلوغه ، فقال الصبي : قبل بلوغي . الشافعي
وقال المضمون له : بعد البلوغ . فقال : قياس قول القاضي أن القول قول المضمون له ; لأن معه سلامة العقد ، فكان القول قوله ، كما لو اختلفا في شرط فاسد . ويحتمل أن القول قول الضامن ; لأن الأصل عدم البلوغ ، وعدم وجوب الحق عليه . وهذا قول [ ص: 349 ] أحمد . ولا يشبه هذا ما إذا اختلفا في شرط فاسد ; لأن المختلفين ثم متفقان على أهلية التصرف ، والظاهر أنهما لا يتصرفان إلا تصرفا صحيحا ، فكان قول مدعي الصحة هو الظاهر ، وهاهنا اختلفا في أهلية التصرف ، وليس مع من يدعي الأهلية ظاهر يستند إليه ، ولا أصل يرجع إليه ، فلا ترجح دعواه . الشافعي
والحكم في من عرف له حال جنون ، كالحكم في الصبي ، وإن لم يعرف له حال جنون ، فالقول قول المضمون له ; لأن الأصل عدمه ، فأما المحجور عليه لفلس ، فيصح ضمانه ، ويتبع به بعد فك الحجر عنه ; لأنه من أهل التصرف ، والحجر عليه في ماله ، لا في ذمته ، فأشبه الراهن ، فصح تصرفه فيما عدا الرهن ، فهو كما لو اقترض أو أقر أو اشترى في ذمته . ولا يصح ضمان العبد بغير إذن سيده ، سواء كان مأذونا له في التجارة أو غير مأذون له . وبهذا قال ابن أبي ليلى والثوري . وأبو حنيفة
ويحتمل أن يصح ، ويتبع به بعد العتق . وهو أحد الوجهين لأصحاب ; لأنه من أهل التصرف ، فصح تصرفه بما لا ضرر على السيد فيه ، كالإقرار بالإتلاف . ووجه الأول ، أنه عقد تضمن إيجاب مال ، فلم يصح بغير إذن ، كالنكاح . وقال الشافعي : إن كان من جهة التجارة جاز ، وإن كان من غير ذلك لم يجز . فإن ضمن بإذن سيده ، صح ; لأن سيده لو أذن له في التصرف صح . أبو ثور
قال : وقياس المذهب تعلق المال برقبته . وقال القاضي : ظاهر المذهب وقياسه أنه يتعلق بذمة السيد . وقال ابن عقيل : هل يتعلق برقبته أو بذمة سيده ؟ على روايتين ، كاستدانته بإذن سيده . أبو الخطاب
وقد سبق الكلام فيها . فإن أذن له سيده في الضمان ليكون القضاء من المال الذي في يده ، صح ، ويكون ما في ذمته متعلقا بالمال الذي في يد العبد ، كتعلق حق الجناية برقبة الجاني ، كما لو قال الحر : ضمنت لك الدين ، على أن تأخذ من مالي هذا . صح . وأما المكاتب فلا يصح ضمانه بغير إذن سيده ، كالعبد القن ; لأنه تبرع بالتزام مال ، فأشبه نذر الصدقة بغير مال .
ويحتمل أن يصح ، ويتبع به بعد عتقه ، كقولنا في العبد . وإن ضمن بإذنه ، ففيه وجهان ; أحدهما ، لا يصح أيضا ; لأنه ربما أدى إلى تفويت الحرية . والثاني ، يصح ; لأن الحق لهما ، لا يخرج عنهما . فأما المريض ، فإن كان مرضه غير مخوف ، أو غير مرض الموت ، فحكمه حكم الصحيح . وإن كان مرض الموت المخوف ، فحكم ضمانه حكم تبرعه ، يحسب من ثلثه ; لأنه تبرع بالتزام مال لا يلزمه ، ولم يأخذ عنه عوضا ، فأشبه الهبة .
وإذا فهمت إشارة الأخرس ، صح ضمانه ; لأنه يصح بيعه وإقراره وتبرعه ، فصح ضمانه ، كالناطق ، ولا يثبت الضمان بكتابة منفردة عن إشارة يفهم بها أنه قصد الضمان ; لأنه قد يكتب عبثا أو تجربة ، فلم يثبت الضمان به مع الاحتمال . ومن لا تفهم إشارته لا يصح منه الضمان ; لأنه لا يدري بضمانه ، ولأنه لا يصح سائر تصرفاته ، فكذلك ضمانه .