الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              معلومات الكتاب

              أدب الاختلاف في الإسلام

              الدكتور / طه جابر فياض العلواني

              تحذير النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه من الاختلاف

              كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدرك أن بقاء هـذه الأمة رهين بتآلف القلوب التي التقت على الحب في الله، وأن حتفها في تناحر قلوبها، لذلك كان عليه الصلاة والسلام يحذر من أن يذر الخلاف قرنه فيقول: ( لا تختلفوا فتختلف قلوبكم ) [1]

              . وكان كرام الصحابة رضوان الله عليهم يرون أن الخلاف لا يأتي بخير كما في " قول ابن مسعود رضي الله عنه : الخلاف شر "

              لذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتث بذرة الخلاف قبل ن تتنامى... ( عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: هـجرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما، فسمع أصوات رجلين اختلفا في آية، فخرج رسول الله يعرف في وجهه الغضب فقال: إنما هـلك من كان قبلكم باختلافهم في الكتاب ) [2] .

              وعن النزال بن سبرة قال: ( سمعت عبد الله بن مسعود قال؛ سمعت رجلا قرأ آية سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم خلافها، فأخذت بيده فأتيت به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : كلاكما محسن ) قال شعبة : أظنه قال: ( لا تختلفوا فإن من قبلكم اختلفوا فهلكوا ) [3] .

              [ ص: 48 ]

              فهنا يعلم الرسول صلى الله عليه وسلم الصحابة ومن يأتي بعدهم عواقب الاختلاف ويحذرهم منه.

              وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم الصحابة رضوان الله عليهم أدبا هـاما من آداب الاختلاف في قراءة القرآن خاصة، فيقول في الحديث الصحيح: ( اقرءوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم، فإذا اختلفتم فيه فقوموا ) [4]

              فيندبهم عليه الصلاة والسلام للقيام عن القرآن العظيم إذا اختلفوا في بعض أحرف القراءة، أو في المعاني المرادة من الآيات الكريمة حتى تهدأ النفوس والقلوب والخواطر، وتنتفي دواعي الحدة في الجدال المؤدية إلى المنازعة والشقاق، أما إذا ائتلفت القلوب، وسيطرت الرغبة المخلصة في الفهم، فعليهم أن يواصلوا القراءة والتدبر والتفكير في آيات لكتاب. ونرى كذلك أن القرآن الكريم كان - أحيانا - يتولى التنبيه على (أدب الاختلاف ) حين يقع بين الصحابة رضوان الله عليهم، « فعن عبد الله بن الزبير قال: كاد الخيران أن يهلكا - أبو بكر وعمر رضي الله عنهما .. رفعا أصواتهم عند النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم إليه ركب بني تميم فأشار أحدهما بالأقرع بن حابس ، وأشار الآخر بالقعقاع بن معبد بن زرارة ، فقال أبو بكر لعمر : ما أردت إلا خلافي، قال عمر: ما أردت خلافك، فارتفعت أصواتهما في ذلك، فأنزل الله تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت [ ص: 49 ] النبي ) ...الآية ( قال ابن الزبير : فما كان عمر يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هـذه الآية حتى يستفهمه ) [5] .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية